"تدوينات المؤثرين"

باتت «تدوينات المؤثرين» على مواقع التواصل الاجتماعي تشكل مادة خصبة للأخبار، وعلى الرغم من أنها تبدأ من مساحة شخصية لصاحبها؛ فإنها تنتهي في بعض الأحيان إلى إشكاليات ومعارك، وربما قضايا في ساحات المحاكم، خصوصاً عندما يُغرد بها مشاهير في الفن أو الرياضة أو السياسة.وبسبب غزارة بث التغريدات والمقاطع المصورة، بات الأمر مثيراً لـ«التشويش والإرباك»، وفق ما يرى خبراء في الإعلام، غير أنهم يلفتون إلى أنه ومع الإقرار بقدرة هذه التدوينات على إثارة الجدل والمعارك «المتعمدة» في بعض الأحيان؛ إلا أنها تتسم بـ«قِصر زمن التأثير».وإذا كانت مثالب بعض تلك التدوينات تلقي بظلالها على جمهور مجتمع «السوشيال ميدياً» في صور الإرباك وغيرها؛ فإنها في انعكاساتها المهنية الإعلامية، باتت حالة جديرة بالملاحظة، تحديداً، فيما يتعلق بظهور منابع جديدة للأخبار وصناعتها، عبر تصدر قائمة الأكثر تداولاً «الترند»، أو من خلال الاعتماد على أصحابها باعتبارهم مصادر جديرة وموثوقة.

خلال الأيام القليلة الماضية، دفع الفنان المصري محمد رمضان، بنفسه إلى قلب انتقادات لاذعة بسبب تدوينة شخصية وتضامنية له مع الشعب اللبناني على خلفية انفجار مرفأ بيروت، وأرفق بمنشوره صورة لامرأة يبدو أنها لبنانية، وتحمل لافتة تتضمن تمجيداً في صاحب التدوينة، ما اعتبره بعض المتابعين «استغلالاً لأزمة بيروت في الترويج الشخصي».وغير بعيد عن سياق الجدل، لكنه غير شخصي في هذه الحالة، جاءت تدوينة رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة «سبيس إكس» المتخصصة في مجال تقنيات استكشاف الفضاء، بعدما غرّد على «تويتر»، قائلاً إن «مخلوقات فضائية بنت الأهرام في مصر»، لينتقل «جدل التغريدة» إلى الأوساط الرسمية والشعبية المصرية، ولتكتسب التغريدة زخماً أكبر بتعليق من وزيرة التعاون الدولي المصرية، رانيا المشّاط، التي غردت رداً على ماسك: «أتابع عملك بإعجاب كبير، وأدعوك مع (سبيس إكس) لاستكشاف كيفية بناء الأهرامات، والتحقق من مقابر بناة الهرم».

الدكتورة ليلى عبد المجيد، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، تنظر لفكرة «التدوينات القصيرة» على مواقع التواصل من عدة مستويات، بداية من «ارتباطها بالتعليقات المنسوبة للمشاهير، التي تحظى غالباً بنسبة تفاعل ومشاركة كبيرة، حتى لو كانت بعيدة عن الموضوعية أو غير جديرة بالاهتمام».وتؤكد عبد المجيد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الشخصيات الشهيرة التي تثير جدلاً واسعاً هي الأكثر قدرة على التأثير عبر التدوينات»، مشيرة إلى أن «التعاطي مع تلك التدوينات بشكل جدلي، من ملامح خصوصية شبكات التواصل الاجتماعي من جهة، وطبيعة جمهورها وحب استطلاعه الواسع، وعدد الساعات الطويلة التي يقضيها في متابعتها من جهة أخرى».وتشبه عبد المجيد «التدوينات القصيرة، خصوصاً التي تحقق الرواج بأنها أقرب لمتاهات مُربكة تشغلنا، وغالباً ما يكون عمرها قصيراً، وسرعان ما تتبدل بآراء وتدوينات جديدة أكثر إثارة وجدلاً».

ويعتبر الدكتور فتحي شمس الدين، الأستاذ المصري المتخصص في الإذاعة والتلفزيون، وخبير الإعلام والاتصال الرقمي، أنه «فضلاً عن تدوينات المشاهير، فهناك أخرى تتعلق بخلق حالة التأييد المجتمعي مثل ما حدث مع تريند تمثال (مصر تنهض) المثير للجدل، الذي بدأ بتدوينات قصيرة منتقدة للتمثال بوصفه غير لائق بمدرسة النحت في مصر، فتحول إلى تريند وقضية رأي عام». ويعتقد شمس الدين أن «التدوينات أصبحت تقود مُحركات البحث، فالجمهور غالباً ما يكون مشغولاً بالبحث عن أصل القضية المثارة في الترند، كما حدث أخيراً في تدوينة إيلون ماسك من خلال البحث عن قصة بناء الأهرام».ويشير شمس الدين إلى أنه «عملياً تستطيع مواقع التواصل الاجتماعي أن تراقب التدوينات، وتقنياً لديها القدرة على حذفها؛ لكن عملية الحذف والتصنيف حول ما يجوز أو لا، هو أمر نوعي يختلف بطبيعة الدولة التي تصدر منها هذه (التدوينات)».بُعد آخر مهم يلفت إليه الخبير المصري، عبر القول إنه «يجب دائماً الوعي بأن الترند كثيراً ما تكون وراءه ميليشيات إلكترونية منظمة، فبعض الدول تستغل التدوينات كآلية لصناعة الرأي العام المضاد، وبالتالي يجب الحرص عند التعامل مع التدوينات على أنها مصدر للمعلومات، لأنها في بعض الأحيان تكون مصدراً مضللاً وغير موضوعي».