طرابلس - العرب اليوم
كل الملفات اللبنانية، على الطاولة، من عودة النازحين السوريين إلى ديارهم، إلى الأوضاع المالية في ضوء تأخر إقرار موازنة العام 2019، وفي ضوء محادثات الرئيس ميشال عون مع رئيس بعثة صندوق النقد الدولي، إلى لبنان كريس جارفيس، مع وفد من الصندوق تناول إصلاحات "سيدر" في ضوء جلسة مجلس النواب التي خرجت بسلسلة من القوانين أبرزها، تعديلات جذرية على قانون التجارة اللبنانية، والمجرى الذي ستسلكه الإصلاحات المالية والإدارية، على أن يعود الوفد الدولي إلى بيروت في غضون ثلاثة أشهر لمراقبة ما طرأ على المشهد الإصلاحي..
هذا في جانب، وفي جانب آخر بقي الفساد في الواجهة، في محطة جديدة من مواقف الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، على جبهة محاربة الفساد، أو ما اسماه بـ"الحرب المقدسة على الفساد"، لافتًا إلى أن على الذين يتابعون ومن أي موقع أن يتوقعوا كل شيء من حزب الله في هذه المعركة، وعليهم ألا يراهنوا على تعبنا أو يأسنا، مشيرًا إلى أن التيار الوطني الحر بدأ بملف الحسابات، وهذا الملف "لن يدفع به إلى التسويات، وكل من يفكر بذلك يكون منافقًا ولو كان حزب الله.
ودعا السيّد نصر الله أنصار الحزب إلى التبرّع بالمال في ظل التعرّض لضغوط متزايدة نتيجة للعقوبات التي تهدف إلى عزل الحزب ماليًا.
وقال: "أُعلن اليوم الحاجة إلى المساندة والدعم الشعبي، مضيفًا أن التبرعات مطلوبة لدعم أنشطة حزب الله".
معركة طرابلس
وسط ذلك، حرك توقيع رئيس الجمهورية لمرسوم دعوة الهيئات الناخبة في دائرة طرابلس، لانتخاب نائب عن المقعد السني الذي شغر بموجب قرار المجلس الدستوري، يوم الأحد في 14 نيسان المقبل، حسب النظام الأكثري، مذيلاً أيضًا بتوقيع كل من رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ووزيرة الداخلية والبلديات ريّا حفار الحسن، الأجواء الانتخابية في المدينة، والتي يتوقع أن تشتد حماوتها مع صدور قرارات تحديد مواعيد تقديم الترشيحات وسحبها، في خلال اليومين المقبلين، على ألا تتجاوز هذه المواعيد مهلة الشهر التي حددها المرسوم.
ومن اللافت للانتباه أن صدور المرسوم جاء غداة إطلاق الأمين العام لتيار "المستقبل" أحمد الحريري الماكينة الانتخابية للتيار إيذانًا ببدء المعركة في المدينة، وكذلك جولته في عدد من المناطق لاستنهاض الجمهور الأزرق ودعوتهم للاقتراع لمرشحة التيار ديما جمالي، على اعتبار أن المعركة هي لرد الاعتبار للسيدة جمالي التي أبطل قرار "الدستوري" نيابتها عن المدينة.
اقرأ أيضا:الرئيس اللبناني يطالب بتسهيل عودة النازحين السوريين لبلادهم
وفي تقدير مصادر قيادية في "المستقبل" أن معركة جمالي ليست سهلة كما كان يتصورها البعض، وهي بحاجة للعمل على الأرض وشد عصب التيار وحث أبناء طرابلس للقيام بواجبهم الانتخابي وعدم الاستخفاف بالمشاركة في هذا الاستحقاق، خاصة وأن المؤشرات توحي بأن الوزير السابق اللواء أشرف ريفي ينوي الترشح لخوض هذه الانتخابات، وهذا الأمر سيشجع غيره من الراغبين للترشح، مما يعني أن المعركة ستكون صعبة، بعد استبعاد أي احتمال بأن تفوز جمالي بالتزكية، وفق ما تحدثت بعض المعلومات، بسبب تشتت عناصر القوة التي كان يفترض ان تتوفر لدعم ترشيحها.
وتوقعت المصادر، أن يرسو عدد المرشحين قبل إقفال باب الترشيحات على نحو أربعة محتملين هم إلى جمالي وريفي ومرشح جمعية المشاريع طه ناجي المدعوم من النائب فيصل كرامي، مرشّح رابع، حيث ارتفعت في بعض الاحياء الطرابلسية لافتات لشخص يدعى سامر كبارة وهو ابن شقيق النائب محمّد عبد اللطيف كبارة تدعوه إلى خوض الانتخابات.
أما الرئيس نجيب ميقاتي، فقد سبق وأعلن أنه لن يخوض المعركة الانتخابية في طرابلس، وقد أبلغ الرئيس الحريري قبل أيام أنه معه في مركب واحد.
معركة الفساد
وفي غياب أي تطوّر سياسي لافت ذي صلة بالساحة اللبنانية، ربما باستثناء ما حمله مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، من دمشق بانطباعات إيجابية بالنسبة لقضية عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، ومتابعة صندوق النقد الدولي للأوضاع المالية في لبنان، والتوجهات التي ستعتمدها الحكومة لاجراء إصلاحات في بنية البلاد المالية، انطلاقًا من خفض عجز الموازنة، بقيت ملفات مكافحة الفساد والهدر المالي في صدارة الاهتمامات السياسية، والهموم اليومية، في ضوء ما يثار من معلومات قضائية عن توقيفات في ملف الفساد، لم تتجاوز بضعة أفراد في قوى الأمن، بينهم ضابط مع مساعدين قضائيين، في حين ظلت المواقف السياسية سيّدة الساحة، ما أعطى انطباعاً بأن هذه المعركة، صارت مثل الرغيف اليومي للمواطن، وإن كانت كل "القرقعة" التي يسمعها هذا المواطن لم تنتج حتى الآن خبزًا يعينه في ما يكتب ويقال، بأن الفساد الذي يعشعش في كل زوايا الإدارة وزواريب السياسة باتت وراءه.
ولفت الانتباه، على هذا الصعيد، أن الخطاب الذي ألقاه السيّد نصر الله، عصر أمس، لمناسبة ذكرى تأسيس هيئة دعم المقاومة الإسلامية، استأثر في ثلاثة أرباعه، حول الحرب على الفساد والهدر المالي، وهو عزا سبب ذلك، إلى ما وصفه "بالخطر على الوجود الذي لم يعد من الجائز الصمت عليه"، لتجنيب توجه لبنان نحو الإفلاس والانهيار المالي والاقتصادي، معتبرًا أن هذه المعركة واجبة وجهادية لا تقل قداسة عن معركة مقاومة الاحتلال، لافتاً إلى أن هدفه ليس الانتقام السياسي، ولو كان الأمر كذلك لما ساهمنا في قيام هذه الحكومة، لكن ما نريده هو وقف سرقة المال العام والهدر المالي.
ولفت نصر الله إلى أن ملف الحسابات المالية للدولة هو الملف الأخطر والأهم، وأن ما يعرف بالـ11 مليار دولار جزء من هذا الملف، إذ أنه من العام 1993 وحتى العام 2017 هناك وضع مشبوه وغير صحي في الإدارة المالية، مستشهدًا في هذا السياق بما أعلنه المدير العام لوزارة المال آلان بيفاني، مشيدًا بأدائه، مشددًا على أنه إذا قبلنا بتسوية ملف الحسابات المالية سنكون حزبًا منافقًا.
وكان نصر الله توقع في بداية كلمته اشتداد العقوبات الأميركية على "حزب الله" وداعميه، وأن يكون هناك "تفريخ" للوائح الإرهاب من قبل دول أخرى غير بريطانيا، مشددًا على أنه "عندما يتخذون بحقنا إجراءات عقابية فذلك لأننا هزمناهم وكسرناهم وأسقطنا مشاريعهم"، إلا انه لم يتطرق إلى الاتهامات التي ساقها في حق الحزب مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد ساترفيلد أثناء زيارته الأخيرة إلى لبنان، لا سيما تحذيره من قلق واشنطن من أن يمسك الحزب بمفاصل السلطة.
تجدر الإشارة إلى أن شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي كشفت متورطين جددًا في قضايا تتعلق بالرشوة، طالت حتى الآن ما يفوق الثلاثين موقوفًا بين عسكريين ومدنيين، ادعى عليهم مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية بتهم تلقي الرشى ومخالفة التعليمات العسكرية.
جولة غراندي
في غضون ذلك، عادت قضية عودة النازحين السوريين بزخم إلى الواجهة السياسية من خلال الجولة التي قام بها أمس، في بيروت المفوض السامي لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة فيليبو غراندي، والتي شملت كلاً من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ووزراء الخارجية جبران باسيل والداخلية ريّا الحسن وشؤون النازحين صالح الغريب، والشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.
وذكرت مصادر رسمية التقت المفوض الدولي، أن غراندي أتى إلى بيروت مباشرة بعدما زار سوريا ثلاثة أيام، وجال على مراكز عودة النازحين السوريين في دمشق وحماه وحمص وبعض الضواحي والأرياف، وأبلغ المسؤولين اللبنانيين أنه عاد بانطباعات إيجابية عن تعاطي السلطات السورية مع النازحين العائدين، وعن الوضع الأمني حيث هم، وأنه لاحظ وجود عمل كبير على صعيد إعادة الإعمار والبنى التحتية، لذلك عاد من سوريا مطمئنًا أكثر من السابق لوتيرة العودة وإجراءاتها الميدانية.
وأكدت المصادر، أن غراندي بدا مهتمًا بموضوع تقديم الدعم للنازحين في مناطق عودتهم لا في الدول المضيفة فقط، وأن الاهتمام الدولي بالنازحين يجب أن يكون داخل سوريا أيضًا. وهو نوّه بما يقوم به اللواء إبراهيم من جهود لعودة النازحين بكرامة وأمان.
وحسب المصادر فقد تبلغ غراندي من الرئيس عون أنه "في مكان ما وزمان ما، لم يحددهما، لا بد من تفعيل التواصل أكثر وبديناميكية أكثر بين لبنان والجانب السوري من أجل تكثيف عودة النازحين، موضحة أن غراندي لم ينقل أي خطة أومقترحات أو خطوات جديدة من الجانب الدولي حول عودة النازحين، بانتظار أن يعود إلى نيويورك ويضع تقريره لرفعه إلى الجهات المعنية في الأمم المتحدة ليبنى عل الشيء مقتضاه.
وقالت المصادر: إن غراندي تلقف إيجابًا دعوة رئيس الجمهورية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين "إلى مواكبة لبنان في عملية تسهيل عودة النازحين السوريين إلى بلادهم وتسريعها. وتشديده على استمرار التعاون مع المنظمة والتنسيق مع الإدارات اللبنانية المعنية بملف العودة، وعلى أهمية تقديم المساعدات للنازحين السوريين بعد عودتهم إلى أرضهم. وأكد عون تعاون السلطات السورية المختصة مع الجهات اللبنانية المعنية بتنظيم العودة، ولاسيما منها الأمن العام اللبناني".
وقال الوزير الغريب: "إن غراندي أبلغه أنه عاد مطمئنًا من دمشق، وهناك تحسن كبير بالوضع العام، وبعلاقة السلطات السورية بالمنظمات الدولية، وهذا أمر يساعدنا في لبنان على الاهتمام بأوضاع النازحين في مناطق عودتهم في سوريا. وقد شعرنا من خلال المفوض غراندي بالمنحى الإيجابي لعملية العودة".
قد يهمك أيضا:
ميشال يبحث الأوضاع الاقتصادية مع رئيس بعثة صندوق النقد الدولي
الرئيس اللبناني يطالب المجتمع الدولي بتسهيل عودة السوريين لبلادهم