رئيس الوزراء الليبي الأسبق والسياسي البارز محمود جبريل


أكد رئيس الوزراء الليبي الأسبق والسياسي البارز محمود جبريل، أن الحل الرئيسي لأزمة بلاده، التي أنهكتها الانقسامات السياسية والفوضى المسلحة منذ أكثر من 7 سنوات، عقب الإطاحة بحكم معمر القذافي، يتمثل في ضرورة رفض التدخلات الدولية الكثيفة في شؤونها، وترك الأمور لأهلها، وتحديداً الأطراف الفاعلة منهم على الأرض، وفي مقدمتهم قادة الميليشيات المسلحة، والقبائل والقوى السياسية للتحاور والتوافق فيما بينهم.

كما حذر جبريل (66 عاماً) في مقابلة هاتفية مع وكالة الأنباء الألمانية، من «خطورة إجراء انتخابات متعجلة لا تتوافر فيها الشروط والضمانات، التي طالب بها المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، وفي مقدمتها الشرط التشريعي بسن القانون اللازم لتنفيذ العملية الانتخابية، والشرط الأمني، المتمثل في توفير مناخ آمن لا يتم فيه ترويع الناخبين، والشرط السياسي المتمثل في قبول كل الأطراف الليبية مسبقاً بنتائج الانتخابات... لكن هذه الشروط تتطلب وقتاً كبيراً لتحققها على أرض الواقع... وبرأيي فإنه لا يمكن تحقيقها قبل منتصف العام المقبل، وربما أبعد من ذلك».

يقول جبريل ملخصاً رأيه في الانتخابات التي تستعد لها البلاد نهاية العام الحالي: «نحن مع خيار الانتخابات، لكن إذا أجريت كما يتردد نهاية العام الحالي، أو بداية العام المقبل، أي دون تحقق الضمانات الأممية، فهذا يعني أنها ستكون انتخابات متعجلة، وبلا هدف سوى استحضار رئيس يكرر حالة الفشل والعجز، مثلما هو الوضع الحالي لرئيس حكومة الوفاق فايز السراج المحاصر، والمرتهن لقرار ميليشيات مسلحة عدة تسيطر على العاصمة».

وفي هذا السياق أشار جبريل، رئيس حزب تحالف القوى الوطنية، إلى التجارب الانتخابية السابقة في 2012 و2014، حيث تمكن تحالفه وقوى أخرى مدنية من الفوز بالأغلبية، إلا أن قوة السلاح، وتحديداً في تجربة عام 2014، نجحت، حسب رأيه، في فرض واقع وأشخاص مغايرين تماماً لنتائج الصندوق الانتخابي، «وبالتالي فمن غير المستبعد تكرار السيناريو ذاته مجدداً... خصوصاً أن الميليشيات مستفيدة بدرجة كبيرة من الفوضى الراهنة».

وشدد على الدعوة إلى «الحوار بين القوى الفاعلة على الأرض، أي قادة الميليشيات والقبائل والقوى السياسية، بهدف التوافق والتوصل إلى حكومة وطنية، ما يضمن بدرجة ما عدم اعتراض، أو تمرد أي طرف مستقبلياً على قراراتها، لكونه مشتركاً وقابلاً منذ البداية بها، وببرنامج عملها».

وبخصوص ظاهرة انتشار الميليشيات في ليبيا، أوضح جبريل أنه توجد حالياً «أكثر من 1600 ميليشيا مسلحة، بعد أن كان العدد لا يتجاوز 18 تشكيلاً عسكرياً فقط يوم سقوط العاصمة في أغسطس (آب) 2011. كما لدينا أكثر من 300 ألف عنصر يقبضون رواتب من الدولة بصفتهم ثواراً... وهؤلاء جميعاً، وتحديداً القيادات منهم، قد لا يعارضون عودة الدولة، ما دام ستتم طمأنتهم على مصالحهم وأمانهم».

وتابع جبريل مستعرضاً رؤيته لحل هذه المشكلة: «دون إسقاط أو إخلال بحق ولي الدم في مقاضاة أي عنصر من تلك الميليشيات يكون قد ارتكب جرماً بحقه أو حق عائلته، يمكننا اختيار برامج ملائمة فيما يتعلق بالمصالحة الوطنية... ويمكن أن نحل الأزمة تدريجياً بإعادة إدماج العناصر ببدائل عدة، تحولهم لمساهمين في بناء الدولة، بدلاً من مساهمين في عسكرتها، ويتم حصر السلاح والتفرغ لبناء الدولة».

أما بخصوص انتشار السلاح، الذي يعتبر إشكالية حقيقية بالنسبة للسلطات الليبية، فقد أوضح جبريل أنه «طبقاً لتقارير الأمم المتحدة لدينا ما يقرب من 29 مليون قطعة سلاح... وقد تضاعف حجم هذا السلاح في البلاد على الأقل مرتين عما كانت عليه الحال في عهد القذافي. فهناك دول عربية وإقليمية كتركيا، وأيضاً دول أوروبية تورد لنا مختلف أنواع الأسلحة... وللأسف فإن قرار مجلس الأمن نهاية عام 2011 برفع التجميد عن ودائع المصرف المركزي الليبي، التي كانت تقدر حينذاك بأكثر من مائة مليار دولار، أسهم بدرجة كبيرة في انتشار الميليشيات، وبالتالي في انتشار السلاح... وحالياً لم يتبقَ من الاحتياطي النقدي سوى 33 مليار دولار».

في غضون ذلك، أبدى جبريل انتقاده وتعجبه «لإصرار الدول الأوروبية على مخاطبة أجسام فارغة، لا تملك من الحل شيئاً في ليبيا، كالأجسام السياسية الموجودة بالشرق والغرب، من حكومات ومجالس، دون اللجوء للقوى الفعلية»، موضحاً أن تلك الدول «تدرك جيداً قوة الميليشيات، بل إن بعضهم استعان بها علناً لتسهيل وحماية مصالحهم في ليبيا»، وهو ما أدى، حسب تعبيره، لشرعنة وضع قادة الميليشيات، وزيادة نفوذهم، بل وجرائم بعض منهم، لأنهم لم يعودوا يخشون التعرض للمحاكمة من قبل الجنائية الدولية، كما كانت الحال عليه في سنوات الثورة الأولى، مضيفاً أن «التدخل الدولي برمته خلق حالة من الاعتمادية والانتهازية لدى بعض الأطراف الليبية. فالبعض بات ينظر للخارج كمصدر قوة، والبعض الآخر حصد الغنائم جراء استغلال الصراع الدولي، ورغبة كل دولة في حشد السياسيين والميليشيات خلف سياساتها».

وحول تقييمه للصراع الفرنسي - الإيطالي المتزايد على الساحة الليبية، أبرز جبريل أن «الجدل الدائر بين الدعوة لانتخابات عاجلة، كما يطرح الفرنسيون، أو تقديم المصالحة عليها، كما يطرح الإيطاليون، لا يعدو سوى كونه تستراً مفضوحاً لصراعاتهم التاريخية... فهم يدّعون أنهم يبحثون عن مصلحة الليبيين، والواقع أنه صراع على مناطق النفوذ والمصالح الاقتصادية... وبدرجة ما يمكن القول إنه صراع بين شركة النفط الفرنسية العملاقة (توتال)، ونظيرتها الإيطالية (إيني)... أما الأميركيون فيركزون في ليبيا على محاربة الإرهاب فقط، ويفضلون أن توكل الأمور السياسية للإيطاليين لاعتقادهم خطأً أنهم الأكثر فهماً للحالة الليبية».

وبخصوص ما يتردد عن تفرد نائبة المبعوث الأممي للشؤون السياسية ستيفاني ويليامز بالساحة الليبية، وتعمدها إحياء سياسة بلادها التقليدية بتفضيل وجود جماعات الإسلام السياسي بالحكم، استبعد جبريل هذه النظرية، وقال: «لا أعتقد أن ويليامز تسحب البساط من سلامة كما يتردد... فسلامة نفسه هو من سعى لجعلها نائبة له، وذلك لمعرفته الوثيقة بشخصيتها الديناميكية خلال توليها منصب القائم بأعمال السفير الأميركي لدى ليبيا... ويليامز التقت بالفعل بشخصيات في الغرب الليبي. لكنها لا تزال في بداية عهدها بالمنصب، الذي تولته مطلع الشهر الماضي، وقد تذهب قريباً للشرق وتستكمل برنامجها».

كما استبعد جبريل وجود تحالف إيطالي مع ميليشيات موالية لجماعات الإسلام السياسي بالعاصمة والغرب الليبي، بقوله: «الإيطاليون وثيقو الصلة بميليشيات مصراتة وطرابلس بكل طوائفهم... ولا توجد معلومات مؤكدة حول ما تردد عن دعم مشبوه قدمته إيطاليا لآمر حرس المنشآت النفطية إبراهيم الجضران خلال هجومه على منطقة الهلال النفطي في يونيو (حزيران) الماضي».

وتابع جبريل: «هم فقط وقّعوا عقوداً وتفاهمات اقتصادية مع حكومة السراج ويريدون تأمينها، وتفاهمات أخرى لمكافحة الهجرة غير الشرعية، كانت نتيجتها تعرض الأفارقة، ليس فقط لويلات الاقتتال الداخلي ببلادنا، وإنما أيضاً لخطر المتاجرة العلنية بهم».

كما لمح جبريل إلى أن أغلب القيادات الموجودة على الساحة تستفيد من الوضع الراهن، ولذلك تحاول الإبقاء عليه، مشدداً على أن الجميع سواء السراج بالعاصمة، أو رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بالشرق، الذي يفكر، حسب تعبيره، بمنظور شيخ القبيلة لا رجل الدولة السياسي، «يكتفون فقط برفع شعارات عن ضرورة إجراء الانتخابات دون تقديم مشاريع حقيقية لحل الأزمة».

أما بخصوص المشير خليفة حفتر، وعلى الرغم من تأكيده قدرة الرجل على بسط نفوذه على الشرق الليبي، فإن جبريل رفض إعطاء توقع معين لحظوظ حفتر إذا قرر الترشح للانتخابات الرئاسية. كما رفض بشدة أن يكون الحل العسكري بديلاً لفشل رجال السياسية في التوصل إلى نظام حكم تستعاد به الدولة الليبية وسيادتها.

وفي معرض حديثه عن آفة الإرهاب التي تضرب ليبيا، وأفضل الحلول لمحاربته، قال جبريل إن «الحل العسكري للقضاء على الإرهاب ليس بديلاً للمشروع الوطني لبناء الدولة، بل هو أحد أضلعه الرئيسية فقط... والقضاء على الإرهاب بالأساس معركة تحتاج لجهد فكري وثقافي واجتماعي، إلى جانب الجهد العسكري لضمان عدم نمو الإرهاب من جديد».

وتابع جبريل: «إلى جانب الانقسام السياسي، هناك تمزق مجتمعي حاد... خلافات بين القبائل، وعلو للنبرة الجهوية، ورفض للعملية الانتخابية برمتها من قبل الأمازيغ والتبو والطوارق بسبب تهميشهم لسنوات طويلة... فهل سيكون الحل بإخضاع هؤلاء جميعاً لحل عسكري، أم التوصل إلى حل سياسي يضمن للجميع حقوقه».

كما حذر جبريل من الاعتماد على تراجع أعداد عناصر الجماعات المتطرفة في ليبيا كتنظيمي داعش والقاعدة بعد المعارك في كل من بنغازي وسرت ودرنة، كدليل على هزيمة تلك التنظيمات بشكل كامل، مشيراً في هذا السياق إلى «تمكن بعضهم من تجميع صفوفه وإعادة الانتشار بمناطق أخرى».

من جهة ثانية، اعتبر جبريل أن الحديث عن تأييد واسع من الليبيين لسيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي الراحل، ليس أكثر من «رد فعل على خيبة الأمل التي مُني بها الليبيون خلال سنوات ما بعد الثورة»، موضحاً أن «ليبيا بلد غني بموارده، من نفط وغاز، ومع ذلك فالمواطن يعاني من انقطاع مستمر للكهرباء، وانقطاع راتبه أحياناً. وبالتالي بات يحن لماضٍ سيئ هرباً من واقع أكثر سوءاً».

أما فيما يتعلق بموقفه الشخصي من الانتخابات وحظوظه في الفوز، فقد أكد جبريل أنه لن يخوض غمار الانتخابات «إلا إذا كانت تتمتع بالضمانات الأممية الكافية، وحينها سأطرح مشروعي، وتحالف القوى الوطنية بالتوافق بين القوى الفاعلة، والتوفيق من عند الله... وباستثناء ذلك، لا أريد وأربأ بنفسي أن أكرر حالة الفشل الحالية، التي سئم منها الليبيون».