تونس ـ أزهار الجربوعي يهدد شبح الاستقالات والانشقاقات مجددًا عرش أحزاب "الترويكا" الحاكمة في تونس، وذلك بعد يوم واحد فقط من نيل حكومة علي العريض الجديدة ثقة المجلس التأسيسي، إذ أكّد محمد عبو، الخميس، استقالته رسميًا من حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" الذي يشغل منصب أمينه العام، في حين أعلن المكتب المحلي لحزب "التكتل من أجل العمل والحريات" في محافظة جندوبة، تشكيل تنسيقية لسحب الثقة من الأمين العام للحزب، رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر، تزامنًا مع إعلان النائب أبو يعرب المرزوقي استقالته من الكتلة النيابية لحركة "النهضة" واتهمها بـ"توزيع الغنائم والمساهمة في الفساد الحاصل في الدولة".
وأكد مصدر خاص لـ"العرب اليوم"، أن "استقالة محمد عبو من حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية"، والتي جاءت بعد يوم واحد فقط من تزكية الحكومة الجديدة ومنحها الثقة داخل المجلس التأسيسي، كانت لسبب خلاف حاد نشب بينه وبين وزراء حزبه المشاركين في الحكومة الحالية، على غرار وزير التجارة الحالي عبدالوهاب معطر ووزيرة المرأة سهام بادي ووزير أملاك الدولة والشؤون العقارية سليم بن حميدان، وأن عبو اشترط استقالة وزيرين موجودين في حكومة العريض ليشارك في الحكومة ويتراجع عن استقالته من منصب الأمانة العامة لحزب "المؤتمر" التي أعلن عنها منذ 17 شباط/فبراير الماضي، إلا أن ذلك لم يحدث، وهو ما جعله ينسحب من الحزب والحكومة بشكل رسمي.
ونشب خلاف حاد بين وزيرين من "المؤتمر" وأمينه العام محمد عبو، على خلفية تمسكه بقراره سحب وزراء المؤتمر من حكومة حمادي الجبالي المستقيلة، لسبب عدم تحييد وزارات السيادة، وقد تطور الخلاف إلى سجال عنيف وتبادل للاتهامات وعنف لفظي، فيما نفى عبو طموحه في المنافسة على رئاسة الجمهورية في الانتخابات المقبلة، مؤكدًا أنه "كان وسيظل يدعم الرئيس محمد المنصف المرزوقي".
ومن المتوقع أن يتم الحسم النهائي في تركيبة المكتب السياسي الجديد لحزب "المؤتمر"، من خلال المجلس الوطني الذي سينعقد أواخر آذار/مارس الجاري.
 وقالت مصادر مطلعة لـ"العرب اليوم"، إن "محمد عبو يتجه نحو الإعلان عن حزب جديد قريبًا، سيضم زوجته النائب في التأسيسي التونسي عن حزب "المؤتمر" سامية عبو، إلى جانب عدد من المستقلين، وسيكون قائمًا على "مبادئ الهوية والتوازن الاجتماعي وحقوق الانسان والقطع مع الماضي".
وقد شهد "المؤتمر من أجل الجمهورية"، حزب الرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي، انشقاقات عدة عقب تولي الأخير رئاسة الجمهورية واستقالته من الأمانة العامة للحزب، عملاً بمبدأ الفصل بين الحزب الحاكم والدولة، وهو ما أدى إلى تراجع عدد مقاعده في المجلس التأسيسي إلى قرابة النصف، حيث أصبح يحظى بـ16 نائبًا فقط بعد أن احتل المركز الثاني في انتخابات المجلس التأسيسي التي جرت في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011 بـ29 مقعدًا، خلف حركة "النهضة" صاحبة الغالبية الحاكمة بـ89 مقعدًا.
وتضم قائمة المنشقين عن حزب "المؤتمر"، المعارض البارز وأحد مؤسسيه عبدالرؤوف العيادي الذي أسس حزب "حركة وفاء" مع عدد من المستقيلين عن حزب "المؤتمر" على غرار شقيق وزيرة المرأة أزاد بادي وعضو الهيئة التأسيسية سليم بوخذير، كما تمت إقالة السياسي المخضرم الطاهر هميلة الذي أسس بدوره "حركة الإقلاع نحو المستقبل"، وقد تم تجميد عضويته على خلفية تصريحاته المشككة في المدارك العقلية للرئيس المرزوقي، لسبب مواقفه المتضاربة، فضلاً عن استقالة عدد من النواب وأعضاء المكاتب المحلية في مختلف محافظات البلاد من حزب "المؤتمر".
وتتواصل حملة الانشقاقات والتصدعات داخل أحزاب ائتلاف الترويكا الحاكم في تونس (النهضة،التكتل،المؤتمر)، هدد المكتب المحلي لحزب "التكتل" في محافظة جندوبة، بتكوين تنسيقية تهدف إلى "إعادة الحزب إلى مساره وسحب الثقة من الأمين العام للحزب رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر، في صورة مواصلته في سياسة التهميش والإقصاء".
وأوضح رئيس مكتب "التكتل" في جندوبة، الهادي المناعي، أن هذا القرار هو نتيجة لما وصفه بـ"التجاوزات الخطيرة والتفرد بالرأي لقيادة الحزب التي فضلت المصلحة الشخصية الضيقة على مبادئ الحزب وثوابته"، على حد قوله، فيما اعتبر القيادي في "التكتل" والمتحدث الرسمي باسم الحزب محمد بنور لـ"العرب اليوم"، أن سحب الثقة من مصطفى بن جعفر، "ضربًا من الجنون، وغير ممكن قانونًا، من دون الرجوع إلى المكتب السياسي والمجلس الوطني للحزب".
وأضاف بنور أن "خلافًا نشب بين قطبين داخل الحزب هما الهادي المناعي وسعيد المشيشي، إلا أن الأمين العام للحزب فضل الحياد وعدم التدخل في الموضوع، وهو ما جعل الهادي المناعي يضخم الأمور ويهدد بسحب الثقة من الأمين العام، الذي اعتبر غير وارد قانونًا"، معربًا عن استنكاره هذه الدعوات، واعتبر أنها ناجمة عن "تشنج وعدم نضج سياسي"، داعيا جميع الأطراف إلى "تحمل مسؤولياتها والابتعاد عن الظواهر الصوتية والفرقعات الإعلامية".
ولم تسلم حركة "النهضة" صاحبة الغالبية الحاكمة، من شبح الانشقاقات، فللمرة الأولى منذ توليها الحكم ونجاحها في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي وفوزها بغالبية 89 مقعدًا، حيث قدم النائب عن "النهضة" البروفيسور أبو يعرب المرزوقي استقالته من الكتلة البرلمانية لـ"النهضة"، وأكد في تصريح خاص لـ"العرب اليوم" أنه "قرر اعتزال السياسة بصفة نهائية والبقاء خارجًا للمراقبة فقط، وأن حزب (النهضة) الإسلامي الحاكم، يُكرس ﻋﻤﻠﯿﺔ ﻏﺰو، ﺑﺮد ﻓﺴﺎد ﺳﺎﺑﻖ ﺑﻔﺴﺎد من جنسه، فتحول الحكم إلى توزيع مغانم في الحكومة وأجهزتها والإدارات وتوابعها توزيعها على الأقرباء والأصحاب والأحباب، من دون اعتبار لمبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب، ولو طبق هذا المبدأ لعُزل غالبية وزراء الحكومة الحالية، ولما جدد لهم في الحكومة المقبلة، لأن إضاعة الوقت وسوء التقدير والمعارك الزائفة التي خاضوها كلها كانت دليلاً قاطعًا على أنهم ليسوا من أهل الدراية والخبرة".
وقال أبو يعرب "كدت أعتقد أن معظمهم يهزأ من الحكمة والفكر أصلاً، ظنًا منهم أنها مجرد تفلسف بالمعنى التحقيري المشفوع بابتسامات صفراء، يظنها أصحابها نباهة ساخرة، وهي في الغالب من علامات الغباء المستحكم، ومن ثم فالمحافظة عليهم دليل على الخوف من مغادرة الحكم بلا رجعة وليس حبًا في خدمة الوطن، فضلاً عن أن تكون فهمًا حتى لمصالح الحزب الذي يدعون تمثيله".
وقلل زعيم حزب حركة "النهضة" راشد الغنوشي، من شأن استقالة أبو يعرب المرزوقي، معتبرًا أن تصريحاته "مبالغ فيها"، معتبرًا أن "القول بمساهمة حركة (النهضة) في الفساد الموجود في تونس، كلام عار عن الصحة".