روما ـ العرب اليوم تشهد مدينة فياريدجيو في منتجع توسكان شمال إيطاليا استعراض الهجاء السنوي، ومن المتوقع أن يستهدف المهرجان شخصية المرشح للفوز بمنصب رئيس وزراء إيطاليا، الشيوعي السابق ورئيس حزب يسار الوسط الديموقراطي بيير ليويجي بيرساني، خلال الانتخابات المقبلة، أمام منافسه الرئيسي رئيس الوزراء السابق سيلفيو بيرلسكوني، فيما سيكون بيرساني بصورته الضخمة وسيجاره، محور قافلة المهرجان وهي تمر عبر شوراع منتجع توسكان الشهير المعروف بدمياته الساخرة.
وما من شك في أن صورته التي تجمع بين الاحترام والرزانة تختلف كثيرًا عن شخصية وصورة منافسه الرئيسي سيلفيو بيرلسكوني.

وقد تعهد بيرساني الذي يتقدم استطلاعات الرأي الأخيرة قبل أسبوعين من الانتخابات العامة الإيطالية ، بمواصلة البرنامج المالي الذي بدأه رئيس الوزراء المنصرم ماريو مونتي ، ولكنها يرغب في تقديم ضوابط تدعم النمو في محاولة للرد على مزاعم بيرلسكوني المتواصلة التي تقول بأن سياسية التقشف تحول دون انتعاش الاقتصاد الإيطالي.
ويقول بيرساني الكاثوليكي الملتزم والمدرس السابق إن من بين أولويات حكومته وضع قانون يعالج التشابك في المصالح السياسية، وذلك في إشارة إلى غريمه بيرلسكوني، الذي تختلط مصالحة التجارية بنشاطة السياسي.
كما يرغب المرشح اليساري في خفض النفقات العسكرية، ولكنه في  الوقت نفسه من أصحاب النزعة الأوروبية، ويدعو إلى إنشاء ما يسمى بالولايات المتحدة الأوروبية، ويزعم أن المزيد من التكامل والاندماج الأوروبي سوف يساعد على علاج أزمة الديون الأوروبية.
اتسم أداء بيرساني خلال أحد التجمعات الانتخابية الأخيرة لحزبه بالرشاقة، إلا أن عباراته كانت أكثر عمومية. وقام بيرساني، الذي يبلغ من العمر 61 عامًا، بحصر قائمة بجميع الوعود التي فشل بيرلسكوني في الوفاء بها، على مدار عشرين سنة من رئاسته للحكومة الإيطالية، واتهمه بخداع الشعب الإيطالي - وخاصة الشباب منهم- بوعود تنتهي صلاحيتها في اليوم التالي لنتائج الانتخابات، حيث سيقوم بإلقائها في سلة المهملات.
وعلى الرغم من أن الأوساط الإيطالية تنظر إلي بيرساني باعتبارة شخصية نشطة ومجتهدة إلا أنه لا يزال يفتقد الكاريزما الحزبية الملهمة. لقد بذل الكثير من الجهد حتى يكون أشبه بالتكنوقراطي الوقور ماريو مونتي. وكان مونتي قد وصف بيرلسكوني أخيرًا بأنه حاوٍ، وشبهه كذلك بشخصية بايد بيبر الأسطورية، التي سوف تقود الشعب الإيطالي نحو الهلاك.
إن ما يجمع بين بيرساني وبيرلسكوني هو أن كليهما من شمال إيطاليا، وأن كليهما يمضي إجازاته في سردينيا، وكلاهما أصلع وإن كان بيرلسكوني قد عالج ذلك بسلسلة من عمليات زراعة الشعر التي منحته بعض الخصلات.
وعلى الرغم من أن العالم يعرف الكثير عن بيرلسكوني من خلال تصرفاته الغير الحصيفة، وقضايا الفساد، والفضائح الجنسية التي تلاحقه، إلا أنه لا يعرف الكثير عن بيرساني.
ونشأ بيرساني في قرية بيتولا في إقليم إيميليا روماغنا شمال إيطاليا، والمعروفة بميولها اليسارية، وهو ابن لميكانيكي إيطالي، وترعرع في عائلة كاثوليكية، ودرس الفلسفة في جامعة بولونيا، ودارت أطروحته لنيل الدكتوراه بشأن حياة البابا غريغوري الأول. واشتغل بالتدريس، وفي تلك الأثناء التحق بالحزب الشيوعي الإيطالي، والذي تم حله مع نهاية الحرب الباردة، واستبداله بالحزب الديموقراطي.
وانتخب بيرساني العام 1993 محافظًا لإقليم إيميليا روماغنا، وبعد ذلك بثلاث سنوات عين وزيرا للصناعة في حكومة رومانو برودي. وعندما شغل منصب وزير النقل والتنمية الاقتصادية، خلال الفترة من العام 2006 وحتى العام 2008 ، قام بإدخال سلسلة من الإجراءات لتحرير الاقتصادر والخصخصة، وهو ما يجعله في نظر مؤيديه قادرًا على مواصلة إصلاحات مونتي. وقد استطاع أن يعالج الاحتكار وفتح القطاعات المغلقة في الاقتصاد الإيطالي، بداية من الصيدليات وحتى أكشاك الجرائد.
أما زوجته فهي صيدلانية، وقد أنجبا بنتين، ولكنه ينأي بعائلته عن الظهور الإعلامي. وهو يعشق تدخين السيجار وموسيقى الروك. ولا تحوم حول حياته الخاصة أدنى شبه فضائح، على عكس منافسه بيرلسكوني الغارق حتى الآن في سلسلة من الفضائح الجنسية.
وتقول أحدث استطلاعات الرأي إنه يتقدم السباق نحو رئاسة الحكومة بنسبة 34 في المائة، مقابل 29 في المائة لحزب بيرلسكوني وحلفائه في حزب "الرابطة الشمالية".
وقد استطاع بيرلسكوني أن يضيق الفارق الذي كان واسعًا في بداية الحملات الانتخابية ليصبح فقط 5.5 في المائة. بل إنه يزعم بأن الفارق لا يزيد على 1.7 في المائة فقط.
ويرجع الفضل في ذلك إلى نجاحه في استغلال إمبراطوريته الإعلامية وأحاديثه التليفزيونية المسائية، ومن خلال وعوده الجريئة بإلغاء الضريبة العقارية، ورد كل ما تم تحصيله منها للشعب الإيطالي. وقد لقيت هذه الوعود انتقادًا واسعًا من جانب خبراء الاقتصاد، الذين يعتقدون بأن مثل هذه الخطوة سوف تكلف البلاد ثمانية مليارات يورو، وهو مبلغ يتعذر توفيره. ومع ذلك فهو يستطيع أن يعزف على الأوتار التي تجذب الشارع الإيطالي.
ويرى 40 في المائة من الشعب الإيطالي هذا الوعد بأنه إيجابي، ومع ذلك فإنه لا يوجد في الشارع الإيطالي من يصدق بيرلسكوني سوى 25 في المائة فقط.
كما قدم بيرلسكوني تعهدًا بعيد الاحتمال يتمثل في توفير أربعة ملايين فرصة عمل عند انتخابه. ويقول منتقدوه "إن سنوات حكمه قادت البلاد إلى الركود الاقتصادي، وإنه سبق وأن وعد بتوفير الملايين من فرص العمل ولكنه لم يفِ بهذا الوعد".
وفي حالة فوز بيرساني في الانتخابات، وهذا أمر محتمل، فإنه سوف يواجه تحديات ضخمة، أقلها هو مهمة كبح جماح أزمة الديون العامة الإيطالية التي بلغت 1.9 تريليون يورو، وهي الأعلى في منطقة اليورو بعد اليونان. وما لم يواصل سياسة التقشف والحد من النفقات فإن أزمة الديون الإيطالية سوف تتعرض إلى انتكاسة، الأمر الذي سوف ينعكس بصورة خطيرة على أزمة الديون الأوروبية ويزيدها تفاقمًا.
وعلى الرغم من وعوده بمواصلة سياسات مونتي في هذا الشأن، إلا أنه كيساري سوف يواجه صعوبات، لأنه سيكون أسيرًا للنقابات العمالية التي يستمد منها الدعم اللازم لنجاحه، ولن يستطيع أن يقاوم مطالبها.
ويرى أحد خبراء البنوك في إيطاليا - رفض ذكر اسمه- أن النقابات سوف تقف عائقًا أما مواصلة سياسات مونتي.
ومن المتوقع أن يحصل حزب بيرساني على غالبية في مجلس النواب، ولكنه من غير المتوقع أن يحقق تلك الغالبية في مجلس الشيوخ، الأمر الذي سيمكن بيرلسكوني من إفساد خطواته، والتصدي لتشريعاته. الأمر الذي قد يؤدي إلى انهيار الحكومة والدعوة إلى انتخابات جديدة، وهو سيناريو كارثي بالنسبة لليسار الإيطالي.
ولهذا فهو يتطلع إلى بناء تحالف مع مونتي الذي يقود الكتلة الوسطية في إيطاليا، إلا أن ذلك قد يضر بتحالفاته مع حزب "إس إي إل" اليساري، بقيادة نيتشي فيندولا، الذي لا يقبل بوجود مونتي في الائتلاف الحكومي. وهناك من يرى أن الفئة الوحيدة في إيطاليا التي يمكن أن تتذوق طعم الهزيمة بعد الانتصار هي اليسار الإيطالي.