لندن ـ سليم كرم أكدت مصادر رسمية في الولايات المتحدة والشرق الأوسط أن "كلًا من إيران و"حزب الله"، حليفها في لبنان، يقومان معًا بإنشاء شبكة من المليشيات داخل سورية، لحماية مصالحهما في حال سقوط حكومة بشار الأسد، أو في حالة اضطراره إلى الانسحاب من دمشق". وتقوم تلك المليشيات بالقتال الآن إلى جوار القوات الحكومية السورية، إلا أن تلك المصادر تعتقد أن "هدف إيران على المدى البعيد، يرمي إلى إيجاد قوة جديرة بالثقة، ويعول عليها داخل سورية في حال تفتت سورية إلى مناطق ومقاطعات طائفية وعرقية".
ونسبت صحيفة "الغارديان" البريطانية إلى أحد كبار المسؤولين في إدارة أوباما قوله إن "الإيرانيين يزعمون أن الحكومة الإيرانية تدعم مليشيا عسكرية قوامها 50 ألف جندي"، ووصف المسؤول الأميركي ذلك بأنه "عملية كبيرة"، وقال إن "الهدف القريب من ذلك، هو دعم النظام السوري، ولكن المهم بالنسبة لإيران، هو أن تحتفظ بقوة لها في سورية جديرة بالثقة، ويمكن الاعتماد عليها".
يذكر أن احتمالات تفتت سورية إلى مناطق عرقية وطائفية دينية، تزيد من مخاوف جيرانها، وذلك في الوقت الذي تدخل فيه الحرب الأهلية السورية، عامها الثالث في ظل عدم وجود مؤشرات قوية نحو حل سياسي أو حسم عسكري لأي من طرفي الصراع. كما أن قوات المقاومة السورية التي يتكون غالبيتها من المسلمين السنة في سورية، تفتقد إلى التوحد في ظل انقسام ديني وسياسي وجغرافي واقتصادي، وأن المليشيات الإسلامية التي تضم الكثير من الأجانب والتي ترتبط بعلاقات مع تنظيم القاعدة، يتزايد نفوذها داخل سورية الآن.
ومن المعروف أن الأكراد لديهم مليشياتهم الخاصة، ويسيطرون على مناطق في شمال شرق البلاد وبعض المناطق في حلب، كما أن أكثر ما يهم الأكراد، هو الحصول على الحكم الذاتي، بصرف النظر عن التحالف مع أي من طرفي الصراع. بينما تميل الغالبية المسيحية إلى موالاة نظام الأسد، إذ تخشى من انتصار الإسلاميين المتطرفين، فيما يعيش في سورية 700 ألف من الدروز، "وهى فرقة قيل انها انشقت عن الطائفة الاسماعلية فى القرن العاشر الميلادي" ويميلون نحو صف المقاومة السورية.
وترى الصحيفة البريطانية أنه "على الرغم من الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة في إقناع أفراد العلوية الشيعية التي تنتمي إليها عائلة الأسد، وهي أقلية ضمن الطائفة الشيعية، بأن مصالحهم تكمن في التخلي عن الأسد ، لكن الطائفة العلوية ظلت على تضامنها وتماسكها".
وتؤكد صحيفة "الغارديان البريطانية" أن "كل قوة فاعلة داخل سورية لديها من يدعمها في الخارج". وفي هذا السياق يقول، مدير مركز الشرق الأوسط لمركز كارنيغي للسلام الدولي في بيروت، الدكتور بول سالم إن "سورية تتحلل كدولة، مثلما حدث للبنان خلال فترة السبعينات، وتفتت إلى عناصر عرقية، وكذلك فعل العراق". وأضاف أنه "من الصعب جدًا أن يلتئم شمل سورية من جديد".
وتشير الصحيفة إلى أن "تاريخ إيران يكشف عن أنها دولة تستفيد من الفوضى والاضطرابات حتى من دون السيطرة الظاهرية الموجودة في السلطة"، كما تشير إلى "ظهور حزب الله في أعقاب الحرب الأهلية اللبنانية  عندما كانت إيران قادرة على استغلال مظالم وشكاوى شيعة لبنان، ثم اتبعت الأسلوب نفسه في العراق خلال الفوضى التي أعقبت الغزو الأميركي".
وتؤكد المصادر الرسمية الأميركية والشرق أوسطية، أن "مصلحة إيران في الحفاظ على قاعدة سورية، يفسر جزئيًا السبب وراء استمرار الحكومة الإيرانية التي تعاني من ضائقة مالية ، في الإنفاق بسخاء على جماعات، مثل جماعة الجيش الشعبي، وهي عبارة عن تحالف من المليشيات العلوية والشيعية يتلقى أسلحة وأموال من إيران، كما تتلقى تلك الجماعات تدريبات عسكرية على يد ضباط من حزب الله والحرس الثوري الإسلامي في إيران".
وعلى الرغم من أن الجيش الشعبي قد تم تكوينه ظاهريًا لمساعدة الجيش السوري الذي يعاني من حالة تشتت، لكن مقاتلي الجيش الشعبي، الذين يختلفون عن وحدات الشبيحة التي يستخدمها النظام السوري والمعروفة بارتكابها أعمال قتل وحشية ضد المقاومة السورية، يشكلون قوة مقاتلة طائفية يشرف عليها قادة من حزب الله وإيران.
ويقول وكيل الوزارة الإسرائيلي لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية في وزارة الخزانة الإسرائيلية، ديفيد كوهين، إن "الجيش الشعبي هو في الأساس، مشروع مشترك بين إيران وحزب الله".
وجاء في بيان لوزارة الخزانة أن "الجيش الشعبي تلقى من إيران تمويلًا يقدر بملايين الدولارات في ظل قسوة العقوبات الدولية"، ونسب إلى قائد الحرس الثوري الإيراني أن "الجيش الشعبي تم تشكيله على نمط مليشيات الباسيج الإيرانية شبه العسكرية التابعة للحرس الثوري، والتي لها علاقة بعمليات قمع المظاهرات وانتهاكات حقوق الإنسان في إيران منذ انتخابات الرئاسة في العام 2009".
وبطبيعة الحال، فإن حلفاء إيران في سورية، هم من الشيعة والعلويين الذين يتركزون في المناطق القريبة من الحدود السورية اللبنانية، وميناء اللاذقية". ويؤكد محللون أن "أقرب السيناريوهات المتوقعة في هذا السياق، هو قيام فلول نظام الأسد، سواء بالأسد أو من دون الأسد، بتأسيس معقل ساحلي، يكون على علاقة قوية مع طهران، ويعتمد على إيران من أجل البقاء، ويساعد إيران في الحفاظ على علاقتها بحزب الله ودعم قدراتها ضد إسرائيل".
ويقول خبراء إن "إيران لا تهتم كثيرًا بالحفاظ على الأسد في السلطة، بقدر ما تهتم بالحفاظ على محاور قوة تضمن له التحرك داخل سورية، وفي حالة تمكن إيران من السيطرة على ميناء جوي أو بحري، فإنها تستطيع أن تضمن ممر إمدادات إلى لبنان يتحكم فيه حزب الله، كما تستطيع أن تواصل من خلاله مناوراتها في الحياة السياسية اللبنانية".
ويقول بول سالم إن "الحفاظ على منطقة تدعمها إيران على الساحل، كانت دائمًا ما تمثل الخطة الموضوعة لمؤيدي النظام السوري التي توفر لهم قلعة آمنة في حالة انهيار النظام  وفقدان دمشق". وربما لا يكون ذلك هو ما يرغبونه بالضرورة، ولكنه تحسبًا لأسوأ السيناريوهات.
وقد أعرب وزير الخارجية الأميركي الجديد، جون كيري عن "مخاوفه من تفتت سورية"، وقال إن "أحد السيناريوهات التي يتحدث عنها الجميع هو أن "تسعى كل طائفة من الناس بالانفصال بمكانها". وأضاف أنه "لا أحد يدري إلى ما ستسفر عنه تلك الأمور".
وفي تقييم محبط داخل الغرف المغلقة في مجلس الأمن الدولي خلال الأسبوع الماضي، نسب إلى الأخضر الإبراهيمي قوله إن "المخاطر الكبرى التي تثير مخاوف المجتمع الدولي، تتمثل في تحول سورية إلى ساحة لتنافس القوى والحكومات الإقليمية والقوى التي لا تحكمها دولة ، وهذا ما يجرى الآن، كما تتمثل في  إضفاء الطابع الإقليمي على الحرب الأهلية السورية التي يمكن أن تعم الشرق الأوسط ككل