المحاجر الجزائرية

تحولتْ المحاجر المهجورة، في أعالي قالمة الجزائرية، إلى مكان لكسب العيش وقوت الكثير من الرجال والشباب، الذين وجدوا أنفسهم مجبورين على أن يحملوا بين أيديهم وعلى أكتافهم النحيلة أدوات الحفر، ويدفعون بعجلات نقل قديمة يسيرون جماعة من أجل العمل لسعات طويلة، تحت أشعة الشمس، والغبار المتطاير، بالإضافة إلى أن المنطقة محفوفة بالمخاطر، لأنها ملغمة بالقنابل، التي زرعها المستعمر الفرنسي إبان الثورة الجزائرية المباركة، باعتبارها منطقة محظورة وقتها.
ورغم خطورة الوضع، إلا أن الجوع والفقر دفع هؤلاء الرجال إلى مقاومة الموت بين الألغام المزروعة، والبحث عن ورشات التنقيب، وحفر الحجارة الصلبة، لتفتتها أنامل الشبان، حتى يتمكنوا من بيعها بأثمان زهيدة، لاستعمالها في المساكن، لتزيين شرفات الفيلات وغيرها، متحملين مشقة الصعود إلى علو عشرات الأمتار دون حبال إنقاذ، وهو حالهم منذ سنوات كثيرة.
وأكَّد بعض الرِّجال العاملين في تلك المحاجر، أنهم "يطلقون عليهم عبيد الحجارة، لأن صورهم وهم ينقبون عن الحجارة تشبه عمل المساجين المعاقبين بالأعمال الشاقة، وعددهم يفوق 12 شخصًا موزعين على مختلف زوايا المحجرة".
ووجدناهم منهمكين في تحطيم نوع من الحجرة القاسية، معتمدين على قوة عضلاتهم، ثم يرمون بها عبر أنابيب بلاستيكية، ذات حجم متوسط، وذلك لتحويل حمولة الحجارة، التي تتدحرج بسرعة عبرها، ليلتقطها آخرون ينتظرون وصولها من حين لآخر، من أجل حملها على متن شاحنات، قدمت بعد عقد صفقات بيع.
وأكَّد أحد الرجال العاملين، ويدعى محمد (30 عامًا)، أنه "مضطر للعمل رغم مخاطر الألغام التي زرعها المستعمر، إلى جانب خطورة المحجرة، لكنه يستغل ذلك الوقت لتوفير الدواء لابنته المصابة بمرض السرطان، وعليه تم الاتفاق مع بعض الشبان من أجل ممارسة ذلك العمل، والحصول على مصروفه".
وأضاف شاب يدعى خالد، وهو خريج جامعي، أن "الحياة حرمته من العمل في الإدارة الجزائرية، فوجد ذلك العمل الشاق كوسيلة لكسب قوته، لأنه بقي دون عمل منذ 10 سنوات، حيث يعمل في دفع العجلات المعبأة بأوزان محسوبة من الحجارة، ليلقي بها إلى الأسفل، واصفًا نفسه بـ"السجين"، ورغم معاناته استكمل الشاب عمله مع بقية رفاقه، الذين يعتقدون أن مستقبلهم مجهولًا، بعد أن وضعوه بين الألغام والحجارة، والتي تُشكِّل أكبر خطر على حياتهم.