لندن ـ ماريا طبراني أعربت الحكومة الألمانية عن سعادتها بشأن القرار البريطاني الداعي إلى التفاوض من أجل التوصل إلى اتفاقية جديدة مع الاتحاد الأوروبي، ولكنها أكدت على أن ذلك لن يتم إلا وفقًا لشروطها، وجاء ردًا على ما جاء في الخطاب المنتظر لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بشأن مستقبل علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي، والذي تعهد فيه بإجراء استفتاء عن انتماء بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي العام 2017.  
وتقول صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية إنه على الرغم من أن خطاب كاميرون الذي وصفته بأنه مغامرة جريئة هو أهم خطاب له في حياته السياسية، إلا أن الأكثر أهمية في الموضوع ككل هو رد الفعل الألماني الذي اتسم بالاعتدال، الأمر الذي أثار ارتياحًا في "داوننغ ستريت".
فقد أكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على أنه ليست ألمانيا وحدها وإنما هي "شخصيًا" تولي أهمية للدور البريطاني في أوروبا. وقالت أيضًا إنها لا تتحفظ على إجراء مفاوضات جادة تؤدي إلى "حل وسط عادل" مع بريطانيا.
وقد اتسم رد فعل كل من ألمانيا وفرنسا على ما جاء في خطاب كاميرون، بالتباين، حيث اتسم رد فعل ميركل بالتبجيل والاحترام ، بينما افتقد رد فعل وزير الخارجية الفرنسي لوارن فابيوس إلى الدبلوماسية. إلا أن كاميرون لم يُبد بعد أي تعقيب على رود الأفعال تلك.
وتشير صحيفة "ديلي تلغراف" إلى محاولة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق هارولد الانضمام إلى الجماعة الاقتصادية الأوروبية العام 1963، والتي رفضها الرئيس الفرنسي آنذاك شارل ديغول، كما تشير إلى تكرار المحاولة المذلة والمهينة العام 1967، وتقول الصحيفة إنه ومنذ ذلك الحين تنظر فرنسا إلى بريطانيا باعتبارها متطفلاً غير مرحب به في أوروبا، وليس كشريك كامل العضوية في المشروع الأوروبي.
وعلى الرغم من ذلك فإن ألمانيا دائمًا ما تنظر إلى بريطانيا باعتبارها حليفًا ضروريًا، بهدف الحفاظ على التوازن الدقيق بين الشمال الأوروبي الذي تقوده ألمانيا وبين نادي حوض البحر الأبيض المتوسط الأوروبي بقيادة فرنسا. وعلى الرغم من قيام النخبة الألمانية في بعض الأحيان بانتقاد بريطانيا إلا أنهم دائمًا ما يعترفون سرًا باحتياجهم إلى بريطانيا.
وإذا ما أراد كاميرون أن يفهم ما يمكن أن يواجهه في برلين، فعليه أن يشاهد النسخة البريطانية لمسرحية "كابتن كوبنيك" الشهيرة، للكاتب النمساوي كارل زوكماير، عن ما كان يدور في بروسيا قبل الحرب العالمية الأولى، والذي يكشف عن الكيفية التي يتم التعامل بها في ألمانيا مع الاتحاد الأوروبي.
إلا أن الصحيفة تشير كذلك إلى وجود اختلاف في ألمانيا بين البيروقراطيين والدبلوماسيين من ناحية وبين رجال الأعمال من ناحية أخرى تجاه مؤسسات الاتحاد الأوروبي، حيث تمثل أوروبا قمة طموحات النخبة السياسية والمدنية، بينما ينظر رجال الأعمال الألمان باستياء إلى روتين الاتحاد الأوروبي، وهي نظرة البريطانيين نفسها إلى الاتحاد الأوروبي.
وتجد المستشارة الألمانية نفسها متنازعة بين الاتجاهين بسبب توجهاتها الأوروبية التي نشأت في ظلها، ولكنها في الوقت نفسه زعيمة لحزب دائمًا ما يعتمد على كتلة المقاولين والمهندسي الذين يديرون الاقتصاد الألماني، وهي كخبيرة وعالمة ترفض العقلية البيروقراطية للشرق الشيوعي التي نشأت فيها، فإنها تتعاطف في الوقت نفسه مع دافع الضرائب، الذي يمول صفقات الإنقاذ المالي في منطقة اليورو.
وتقول الصحيفة أيضًا إن هناك الكثير من القضايا التي يمكن أن توحد بين ألمانيا وبريطانيا، ليس فقط ضد البيروقراطيين في الاتحاد الأوروبي، وإنما ضدهم في كل من بريطانيا وألمانيا. وتشير في ذلك إلى قيام الفيلسوف الألماني بيتر سلوتردجيك بالتحذير من خطورة الإفراط في زيادة الضرائب.
وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن كاميرون لا يمكنه أن يعتمد على نقطة التعاطف في المرة المقبلة عندما يذهب إلى ألمانيا، طالما أنه لا يشكك في سبب وجود الاتحاد الأوروبي ذاته.
وتكمن مشكلة كاميرون الآن في أنه فعل ذلك الآن من خلال التعهد بإجراء استفتاء، وهو استفتاء لا يسعى إلى الموافقة على معاهدة مثلما حدث في فرنسا أو هولندا أو الدنمارك أو أيرلندا، وإنما يسعى إلى منح الشعب البريطاني الفرصة للخروج من الاتحاد الأوروبي.
وفي الوقت الذي منح كاميرون نفسه قوة تفاوضية، فتح في الوقت نفسه المجال أمام القوة المحركة للسياسة في ألمانيا، ألا وهي الفزع من الانهيار المالي، وهو ما يدفع الألمان نحو الادخار على نحو يفوق البريطانيين، وهو نفسه الفزع الذي يفسر سر عدم لجوء ألمانيا إلى إجراء استفتاءات.
وتقول الصحيفة أيضًا إن الاتحاد الأوروبي كان بمثابة رد ألمانيا ما بعد الحرب على هذا الفزع. إن تشكيك كاميرون في أوروبا إنما هو أيضا تشكيك في هوية ألمانيا الجديدة.
وبعيدًا عن القضايا الاقتصادية والسياسية كافة، فإن ألمانيا لا يمكنها أن تقدم على إجراء التغييرات الجوهرية التي تريدها بريطانيا.
وبالنسبة إلى أنجيلا ميركل فهي تعتنق عقيدة ألمانيا الحديثة، والتي تنظر إلى أوروبا باعتبارها أكثر من كونها مجرد أموال وأسواق، كما أن الألمان الذين ضحوا بعظمة المارك الألماني في سبيل الوحدة الأوروبية، لا تعنيهم شكاوى البريطانيين من التعليمات والتوجيهات التي يطلقها الاتحاد الأوروبي.
وبناءً على ذلك، فإن التسوية التي يتوقع رئيس الوزراء البريطاني أنها قد تستدعي إجراء الاستفتاء العام 2017، لن تختلف في جوهرها عن تلك المتاحة الآن، على أساس أنه من غير الممكن اعتراض عملية التكامل الأوروبي، والواقع أن المعاهدة الأوروبية الجديدة التي يتم صياغتها من أجل الاتحاد المالي سوف تشق طريقها، الأمر الذي سوف يؤدي إلى مزيد من التهميش لبريطانيا وجمهورية التشيك التي اختارت أن تكون خارج الاتحاد. وقد ينجح كاميرون في كسب معركته ضد الفيدراليين، ولكنه لن يكسب الحرب في النهاية