الجزائر-زهور غربي
لا أحد يعرف لماذا محافظة "تبسة" أو "تيفست"، هي المحافظة الأكثر تجاهلًا من قِبل السلطات المركزية، ولماذا كل هذا التهميش للمحافظة الضاربة في التاريخ، والتي تتميز بباع حضاري وتاريخي وحربي، ما يؤهلها لتكون أحد أقطاب التمدن في بلد اسمه الجزائر.
وفي العام 1999 كان عدد المواقع الأثرية
في مدينة تبسة حوالي 21 موقعًا، على غرار: "المدرج المسرحي"، و"معصرة برزقال"، و"تبســة العتيقــة"، و"الكنيسة الرومانية"، و"القصر القديم"، و"المعبد الوثني"، و"الفوروم"، و"الأقواس الرومانية"، وحتى الآن ما زالت هذه المدينة تهب زوارها مفاجآت تاريخية، إذ ارتفع عدد المواقع التاريخية إلى 24 موقعًا في العام 2012.
وتجري الأعمال في المحافظة، على قدم وساق لإعادة الاعتبار لهذا التراث المادي والذي تعد عملية الحفاظ عليه أمرًا بالغ الصعوبة، لاسيما وأنه مستغل من طرف المواطنين، فالزيارة الميدانية التي قادتنا إلى بعض هذه المواقع كشفت عن صعوبة ترسيخ ثقافة المحافظة على المكان لدى سكان تبسة".
فقوس النصر والسور البيزنطي مثلًا يتعرضان يوميًّا لسلوكيات غير صحية من المواطنين؛ فحتى وقت قريب كانت تستخدم كمكان للنفايات اليومية، مما شوه من جمال هذا الموقع الذي يتربع في وسط المحافظة، ويعد مرجعًا للمحافظة وزوارها.
وتحاول السلطات المحلية حفظ هذه المواقع، وتغيير حالها، وإعطائها حِلة تليق بتاريخها، وأصولها، وقمنا بزيارة السور أو الحصن البيزنطي تيمنًا بالقول "ادخلوا البيوت من أبوابها"، حيث دخلنا تبسة من "قوس النصر كاراكالا" في اتجاه "السور أو الحصن البيزنطي".
وفي سير متواصل تسارعت النظرات الفاحصة للموقع الذي لا يزال يحتفظ بشموخه وتعاليه رغم إهماله، وهو أحد أروع وأضخم البنايات الأثرية شموخًا وجبروةً.
تأسس هذا المَعْلم في العام 535 ميلادي على يد الجنرال "سولومون"، والحاكم البيزنطي "جوستانيان"؛ ليكون حصنًا منيعًا في وجه الأعداء.
وأكد الكثير من المؤرخين والباحثين في علم الآثار، أن "أغلب أجزاء هذا المعلم كانت منهارة، وقام الفرنسيون بترميمها خلال الحقبة الاستعمارية، كما استعملوا جزءًا كبيرًا منه كثكنة عسكرية، لاسيما وأنه يتمتع بالحصانة نظرًا إلى الموقع الإستراتيجي، حيث ثلاثة أبواب أصلية، "باب كاراكالا"، و"باب سولومون"، وهو باب مخصص للحاكم، و"باب شهلة".
وأضافوا أن "الفرنسيين صنعوا ثلاثة أبواب صغيرة أخرى لما قاموا لترميمه وشغله لفترة الحرب الاستعمارية، وتعرضت بعض الأبواب في فترت السبعينات للهدم، أما "قوس كاركلا" يعتبر تحفة معمارية في حد ذاته، ويتفرد من حيث الهندسة المعمارية كما يعده الكثير من العارفين في مجال الهندسة المعمارية من أجمل ما شيد الرومان، وقد شيد تحت إشراف القائد الحربي، وهو من أصول تبسية "آغريكيليانوس" .
وتأسس هذا المَعْلم في العام 212/211 بعد الميلاد في حقبة الازدهار الروماني، ويضم أربعة جهات كل جهة مهداة إلى أحد أفراد العائلة الحاكمة عائلة "سبتيم سيفار" آنذاك، وزُين بتماثيل غاية في الجمال نصبت في الزوايا، أما القوس فأقيم بطريقة فريدة على شكل مربع يرفع فوقه قبة لكنه لم يبق على حاله نظرًا إلى الكثير عمليات الترميم التي أجريت عليه لاسيما خلال الحقبة الاستعمارية الفرنسية، وما يزال إلى اليوم يحافظ على طابعه المعماري، رغم زوال ثلاثة أعمدة بسبب الحروب القديمة.
جدير بالذكر، المحافظة لمن لا يعرفها تقع في أقصى شرق الجزائر، وهي منطقة حدودية مع الجمهورية التونسية، من أهم دوائرها "الكويف"، التي هي رأس تجارتها المربحة حيث تحتوي على معظم مناجم الفحم في الولاية بالإضافة إلى دائرة "الونزة" المتربعة على أكبر احتياطي في العالم العربي والأفريقي من الحديد، وكذلك بلدياتها الغنية بوفرة المياه مثل: "عين الزرقاء"، و"الماء الأبيض"، و"بكارية".