رئيس أركان الجيش المصري السابق الفريق سامي عنان

القاهرة – أكرم علي كشف رئيس أركان الجيش المصري السابق الفريق سامي عنان عن أنه اقترح على وزير الدفاع السابق المشير حسين طنطاوي، القيام بـ"انقلاب عسكري ناعم"، أثناء ثورة "25 يناير"، بغية خلق توازن بين الحفاظ على هيبة الرئاسة، وتحقيق مطالب الشعب، ويعقب هذا الانقلاب الناعم تشكيل مجلس رئاسي يقوده المشير طنطاوي. وأكد عنان في مذكراته، التي نشرتها قناة "دريم" الفضائية، مساء الجمعة، أن "الاقتراح شمل توجه فرق من مجموعات الصاعقة والمظلات والشرطة العسكرية للمرور على قوات من ميدان التحرير وماسبيرو، ويتم إعلان الانقلاب الناعم، وتشكيل المجلس الرئاسي"، مشيرًا إلى أنه "رأى شاشات التليفزيون تعرض صورًا لدبابات كُتب عليها (الحرس الجمهوري)، رابضة أمام مبنى ماسبيرو، وانتابته فكرة رأى أنها ضرورة للخروج بالبلاد من عنق الأزمة، إنه (الانقلاب الناعم)، الذي يحقق الاستقرار، دون سقوط ضحايا".
وسرد عنان مذكراته قائلاً "أقلعت بي الطائرة، ظهر 24 كانون الثاني/يناير، متأخرة عن موعدها بأربع ساعات، واتجهت من باريس إلى أميركا لأصلها ظهر 25 كانون الثاني/يناير، كنت أتابع أخبار الوطن بطبيعة الحال، وتصلني تقارير منتظمة من السفارة المصرية عن تطورات الأوضاع، كان برنامج الزيارة يسير وفق التخطيط الذي سبق إعداده، لكن تصاعد الأحداث أدى إلى إنهاء الزيارة قبل موعدها"، وأكد "كنت قلقًا، لأن مقابلتي مع الأدميرال مولن، موعدها الاثنين، بسبب إجازة السبت والأحد من ناحية، ولوجوده خارج واشنطن من ناحية أخرى، وبدافع من الشعور بالخطر الشديد، ارتديت ملابسي وطلبت من زوجتي أن تستعد للعودة إلى مصر، وعاودت الاتصال بالمشير فلم أجده في الاستراحة أو الوزارة، وعرفت أنه موجود في قيادة المنطقة المركزية مع اللواء حسن الرويني، وعندما أخبرته بأنني أريد العودة، قال كلمة واحدة (ارجع)".
ويكمل عنان "طلبت منه أن يتصل برئيس هيئة العمليات اللواء أركان حرب محمد صابر، فأعطاني تمامًا بالموقف، وباتخاذ كل الإجراءات اللازمة، توجهت بعد ذلك إلى قاعدة أندروز، وفوجئت بوجود قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال ماتيس، والصديق الشخصى المقرب للرئيس أوباما، لم أتخيل أنه حضر خصيصًا لمقابلتي، لكنه طلب أن نتكلم على انفراد في مكتب قائد القاعدة، وسألني عن الأوضاع في مصر، بعد نزول الجيش، ثم قال بالحرف الواحد (سيادة الفريق، هل ستطلقون الرصاص على المتظاهرين؟) قلت لا"، مؤكدًا أن "الرئيس مسؤول، بحكم منصبه ومسؤوليته التاريخية، لكن المسؤولية الأكبر يتحملها من يعيقون بتقصيرهم وضوح الرؤية عنده، فتولد قراراته مريضة بسمتين مدمرتين، الأولى هي التأخير في التوقيت، والأخيرة العجز عن فهم حركة الشباب وحدودها".
واعتبر عنان في مذكراته اختيار اللواء عمر سليمان نائبًا لرئيس الجمهورية، والفريق أحمد شفيق رئيسًا للوزراء، "قرارًا موفقًا من مبارك، كلاهما وطنى مخلص نزيه، ورجل دولة ذو خبرة ودراية ووعي"، ويتابع "لكنني أعود لأقول المشكلة في توقيت صدور القرار، وهو تأخير لم يترك الأثر المطلوب في الشارع وميدان التحرير"، مشيرًأ إلى أنه "صباح الأول من شباط/فبراير، اتصلت بعدد من القادة ومساعدي الوزير ومساعدي رئيس الأركان، وبعض أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وطلبت من المشير محمد حسين طنطاوي ألا يشارك في الاجتماع، حتى أجنبه الحرج، ألقيت في المجتمعين خطابًا مرتجلاً، أستنفر فيه هممهم، وأستدعي روح المقاتل، داخل كل قائد منهم، وبعد التشاور والقسم على المصحف بأننا سنظل على قلب رجل واحد، ومع مطالب الشعب، دون استخدام العنف، صغنا البيان الذي ننوي إصداره، وعرضته على المشير، فوافق عليه وأرسلناه للإذاعة والتليفزيون، كان البيان بمثابة رسالة طمأنة للشعب والقوى السياسية، وليس أدل على ذلك من تهليل وتصفيق الشباب في التحرير، بعد استماعهم للبيان، فقد أدركوا أن القوات المسلحة تنحاز للشعب، بلا تردد أو مساومة"، ويضيف "في الثامنة من مساء اليوم نفسه، الأول من فبراير، كنت في مركز العمليات، عندما جاء المشير طنطاوي، وخرجت معه، فأخبرني أن الرئيس مبارك يطلب أن نلتقي به، اندهشت لأن الرئيس يطلب حضوري، فوجود المشير يكفي، ولم تكن دهشتي نابعة من خوف أو قلق، فأنا أشهد لله والوطن والتاريخ أن الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك رجل عسكري محترم، وقائد من أبطال حرب أكتوبر، ولا يمكن لمثله أن يفكر بطريقة فيها خسة أو نذالة، فهو لا يحمل أفكارًاً تآمرية ولا يضمر الغدر"، ويستطرد "كانت مائدة الاجتماع تضم المقاعد بأسماء الحضور، الرئيس مبارك، اللواء عمر سليمان، المشير طنطاوي، الفريق أحمد شفيق، رئيس الأركان، وزير الداخلية محمود وجدي، قائد الحرس الجمهوري اللواء نجيب رشوان، مدير مباحث أمن الدولة، اللواء حسن عبدالرحمن، وقد وصل وزير الداخلية ومدير مباحث أمن الدولة متأخرين نتيجة اضطرابات في الطريق، وبمجرد دخول الرئيس مبارك، خاطب المشير قائلاً (أنتم أعلنتم عن موقفكم يا حسين)، ولم يرد المشير، ووجدت نفسي أتدخل لرفع الحرج، فقلت للرئيس مبارك (نحن أعلنا موقفنا لأننا نعلم أن سيادتك لا تحب الدم)".
وأكد عنان "أن الرئيس لم يكن منزعجًا من البيان الذي أصدرته القوات المسلحة، ولا شك عندي أنه كان يجهز لخطابه العاطفي، ويثق من نتائجه الإيجابية، وكان على ثقة أن بيان الجيش ليس تحريضيًا، وأن دافعه وطني بما يتوافق مع توجهات الرئيس نفسه"، ويضيف متابعًا "وتولى نائب الرئيس اللواء عمر سليمان مسؤولية الحوار، مسلحًا بحكمته وخبرته الطويلة، وكان الهدف هو التوافق على تشكيل لجنة لإعداد تعديلات دستورية سريعة، والعمل على إنهاء حالة الطوارئ، والسعي إلى تحرير وسائل الإعلام، وملاحقة المتهمين في قضايا الفساد".
ويُبين عنان أنه "في العاشر من شباط/فبراير 2011، وجه مبارك خطابه الثالث للشعب، وقد انتظر الجميع خطابه هذا للاستماع إلى مبادرة عملية فعالة، تنهي الغضب الشعبي، لكنه جاء دون المستوى، ومخيبًا للآمال، وظهرت فيه بوضوح آثار عمليات المونتاج، التي جعلته بعيدًا عن الترابط والوضوح، وتدخل أكثر من (مقص) قبل عرض الخطاب، وبدا واضحًا أن جماعات المصالح المتعارضة داخل مؤسسة الرئاسة تتصارع، ولا تفكر في الحد الأدنى من التنسيق، لمواجهة الموقف العصيب"، مؤكدًا أن "مبارك رفض في خطابه أن يتنحى، واكتفى بتفويض سلطاته للنائب اللواء عمر سليمان، وأشاد بالشباب مؤكدًا أنه يعتز بهم، وأكد أنه لن يترشح لفترة رئاسية جديدة، لكنه أيضًا تمسك بالاستمرار في موقعه حتى نقل السلطة بطريقة آمنة"، ويتابع "اتخذ الخطاب في نهايته منحى عاطفيًا وطنيًا، عند الإشارة إلى رفض الضغوط والإملاءات الخارجية، والإصرار على أن مصر أرض المحيا والممات".
وختم عنان مذكراته بأن "الجميع يعـرفون أن الجيش المصري لا شأن له بالعمل السياسي، والانتماء العقائدي، والالتحاق بالكليات العسكرية تسبقه تحريات دقيقة مكثفة، بغية استبعاد أصحاب الأهواء السياسية، فالبطولة للعقيدة القتالية، والانتماء الوطني الخالص، وما أريد التأكيد عليه هو أن الجيش المصري، بكل مستوياته، من القيادة العليا إلى أحدث ضابط ملتحق في الخدمة، لا يعملون بالسياسة، ولا صلة تنظيمية أو فكرية تربطهم بجماعة الإخوان، فلا منطق إذن في القول بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو من هيأ المناخ للإخوان، وأعانهم في الوصول إلى السلطة".