جعجع وجبران باسيل

وداعًا "أوعا خيّك". أما المصالحة، التي وُصِفت يومًا بـ "التاريخية"، فقد غسل طرفاها يدهما منها، وأعلنا "البراءة" من كلّ مفاعيلها السياسية والاجتماعية، بل دفناها من دون أسف، لا على "شبابها"، ولا على "ثمارها"...، هي ببساطة الخلاصة التي لا يمكن لمن يطّلع على خطاب رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع الأحد، وردّ "التيار الوطني الحر" غير المسبوق عليه الإثنين، إلا أن يستنتجها، بعدما كسر الطرفان "المحظورات"، ورفعا لهجة "التحدّي" إلى الحدّ الأقصى.

باختصار، دلّ موقفا "القوات" و"التيار" على أنّ زمن "المصالحة"، التي "أفرطا" في التباهي بها منذ إبرامها، وأبقيا على "إيجابيّاتها" حتى بعد نعي "تفاهم معراب"، قد ولّى، بل ثبت "زيفه" من الأساس، بعدما استعادا بيُسْرٍ شديد "أدبيّات" الحرب بكلّ معالمها...

"انتفاضة" جعجع

البداية من خطاب رئيس حزب "القوات" في ذكرى "شهداء المقاومة اللبنانية". لا شكّ أنّ الرجل، الذي اختار "التمرّد" على التسوية السياسيّة، وتحمّل كلّ "العواقب"، أراد "توظيف" الذكرى لإيصال الرسائل للحلفاء والخصوم، ولكن قبل ذلك، لتحقيق الكثير من المكاسب السياسية الآنية، فضلًا عن الشعبويّة التي تنسجم مع إصراره على مطلب الانتخابات المبكرة.

منذ اللحظة الأولى للمهرجان، والكلمة الأولى للخطاب، كان واضحًا أنّ الرجل أراد إنهاء مفاعيل "المهادنة" التي اعتمدها في الآونة الأخيرة، ولو بشكلٍ نسبيّ. اختار تسمية الأمور بأسمائها. استعاد أدبيّات "ثورة الأرز" في بداياتها، ربما لأنّه استشفّ مناخاتٍ مشابهة. ركّز على "حزب الله" وسلاحه، من دون أن يوفّر "العهد" من خطابه، بعدما اختار أن يصبّ جام غضبه على "تفاهم مار مخايل" بين "الوطني الحر" و"حزب الله"، محمّلًا إياه مسؤولية كلّ الخراب والويلات.

حيّد جعجع نفسه عن "قوى السلطة"، ولو كان جزءًا من الحكومات المتعاقبة لسنوات، فتوجّه إلى من أسماهم "أهل السلطة والتآمر والفساد والإهمال"، قائلًا لهم: "باقون حتى التخلّص منكم"، في كلامٍ ترى فيه أوساط "القوات" ملاقاةً لجمهورها، الذي التحق بساحات "الانتفاضة" منذ أيامها الأولى، والذي يقول علنًا أكثر بكثير ممّا قاله جعجع، بعدما تيقّن من أنّ "التطبيع" مع "العهد" لم يعد ذي جدوى.

"إعلان حرب"!

لم ينزل خطاب جعجع بردًا وسلامًا على "التيار". ربما توقّع "القواتيون" ذلك، باعتبار أنّ "التصعيد" كان سمة الخطاب، لكنّ أحدًا لم يكن يتوقّع أن يأتي الردّ عنيفًا لدرجة "إعلان الحرب" الذي استشفّته أوساط "القوات" من بيان "الوطنيّ الحر".

يستغرب المقرّبون من "القوات" اللهجة التي اعتمدها "التيار" في الردّ على "النقد السياسي". يكفي برأيها، استعراض المصطلحات "المُسِمّة" التي تضمّنها البيان، من "الحقد إلى التحريض إلى الوقاحة إلى الافتراءات". بيد أنّ "الأخطر" برأي هؤلاء، تمثّل باستعادة "أدبيّات" الحرب، التي بدا واضحًا أنّ أحدًا لم يطوِ صفحتها، بخلاف كلّ الادّعاءات.

هكذا، أثار البيان مسألة "الطبع الميليشياوي" لجعجع، والذي غلب "قدرته على التطبّع مع السلام". اتهم جعجع بـ "نكء الجراح وإثارة الغرائز" لكنّه لم يقصّر في المقابل، سواء في حديثه عن "ضحايا غدره"، وإشارته إلى أنّ "معظم شهداء المقاومة سقطوا على يديه"، أو في تذكيره بالأحكام الصادرة بحقه باغتيال زعماء وقادة، واعتبار أنّ "مكانه معروف، وهو لا يمكن أن يصل إلى رأس الدولة إلا على أنقاض الوطن".

رغم هذه "الحدّة" في الخطاب، والمفردات "الحربيّة"، يرفض المقرّبون من "التيار" تحميل الأخير مسؤولية "التفريط" بالمصالحة. يقولون إنّ بيان "التيار" لم يكن سوى "ردّة فعل"، وإنّ جعجع هو الذي "افتعل المشكل" بخطابه المناقض للأجواء التسووية. أما "تعفّفه"، فمثيرٌ لـ "الدهشة" برأيهم، بعدما أراد من "تفاهم معراب" تقاسم "المغانم"، وهو ما أدّى أصلًا إلى "طلاقه" مع "العهد"، باعترافه.

هي قصّة "إبريق الزيت". "التيار" و"القوات" يتقاذفان كرة مسؤولية تضييع "إنجاز" المصالحة، ويؤكّد كلٌ منهما أنّه "الأحرص" عليها. لكنّهما في الوقت نفسه، "يستنجدان" بترسّبات الحرب عند كلّ "خلاف"، بما يناقض كلّ أدبيّات المصالحة. وإذا كان البعض قرأ في مواقفهما الأخيرة، "عودة إلى الحرب"، فإنّ آخرين يرون أنّهما لا يزالان يعيشان "أجواء الحرب"، ولم يتخلّيا عنها من الأصل...

قد يهمك ايضا

بيانٌ من "الصرافين" بشأن المبالغ المخصصة لطلّاب الخارج

 

سقوط ثلاثة صواريخ على مطار بغداد الدولي