رئيس الجمهورية ميشال عون

خلال أسبوعٍ هذه فقط واحد، صدرت أكثر من ثلاثة بيانات عن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، بهدف "نفي" مواقف منسوبة لرئيس الجمهورية ميشال عون، على خطّ الملفّ الحكوميّ، والصراع المستمرّ مع رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، حتى خُيّل للبعض أنّ هناك فريقًا تمّ فرزه في القصر الرئاسيّ لإعداد بيانات النفي لا غير.

لعلّ آخر بيانات "النفي" هذه كان الأكثر وضوحًا، إذ لم يكتفِ على غرار سابقيْه، على سبيل المثال لا الحصر، بالتذكير بأنّ مواقف رئيس الجمهورية "تصدر عنه شخصيًا"، أو عن مكتب الإعلام التابع له، وليس عبر "زوار" أو "مصادر" أو "أوساط مقرّبة"، وبدعوة وسائل الإعلام للعودة إلى دوائر الرئاسة في كلّ ما يتعلق بمواقف الرجل.

هذه المرّة، توخّت الرئاسة "الدقّة"، فحرصت على تحديد طبيعة ما تنفيه، عبر الإشارة إلى تقارير صحافية تمّ تداولها، وتتحدث عن رسالة رئاسية ينوي الرئيس عون توجيهها إلى مجلس النواب بهدف "نزع الوكالة" من رئيس الحكومة المكلَّف سعد الحريري، واضعة إياها في سياق "الأخبار المختلقة" التي يتمّ الترويج لها لغاياتٍ معروفة.

لا دخان بلا نار

لكن، رغم نفي الرئاسة المتكرّر، يعتقد كثيرون أنّ ما يُنسَب إلى رئيس الجمهورية لا يمكن أن يكون "محض افتراء"، ليس فقط لأنّ "لا دخان بلا نار" وفق المقولة الشائعة والشهيرة، ولكن قبل ذلك، لأنّ هذه المواقف "تنسجم" قلبًا وقالبًا مع أجواء "القصر" غير الخافية على أحد، وأكثر من ذلك، مع "سياسة" صهر الرئيس، الوزير السابق جبران باسيل.

وفي هذا السياق، يعتبر العارفون أنّ عدم ارتياح رئيس الجمهورية للتعامل مع رئيس الحكومة المكلَّف ليس خافيًا على أحد، وما "القطيعة" بين الجانبين، التي تُكسَر بين الفينة والأخرى بلقاءات "رفع عتب" لا تقدّم ولا تؤخّر سوى الدليل الساطع، الذي يعزّزه رفض الرئيس التجاوب مع المبادرات والوساطات لتقريب وجهات النظر، الا وفق شروط ورغبات الوزير باسيل.

أما الحديث عن "رسالة رئاسية" تُستشَفّ منها رغبة بـ"إقصاء" الحريري، فهي الأخرى ليست بعيدة عن "جو" الرئيس، الذي وجّه رسالة واضحة بعدم رغبته بالتعامل مع الرجل منذ ما قبل تكليفه، بخطابه الشهير وغير المسبوق للنواب، في محاولة لثنيهم عن تسميته، فضلاً عن "البِدَع" التي تمّ تسريبها عن محاولة استصدار "فتاوى" تجيز سحب ورقة التكليف من جيبه.

"حملة غير بريئة"؟

لكن، إذا كان الوضع كذلك، وهو ما يدركه القاصي والداني، فلماذا يصرّ رئيس الجمهورية على نفي ما يُنسَب إليه، مع أنّ الوزير باسيل، في المقابل، لا يكفّ عن التصعيد في وجه الحريري، بما "يثبّت" ما يُنقَل عن رئيس الجمهورية، حتى أنّ هناك من فسّر الأمور على أنّه "توزيع أدوار" بين الرجلين لم يعد ينطلي على أحد؟

يرجّح العارفون وجود أكثر من سبب خلف "النفي المتكرّر"، وربما المُبالَغ به، الذي تلجأ بعبدا إليه في مواجهة التقارير الإعلامية، أولها بما ينسجم مع فرضية "توزيع الأدوار"، وفي سبيل إبعاد "كرة المسؤولية" عن كاهل الرئيس، عبر تأكيد "انفتاحه" على كلّ المبادرات والوساطات، وعدم وجود "فيتو مسبق" على شخص الحريري، ولو أنّ الممارسة لا تعكس مثل هذه المقاربة على وجه الدقّة.

أما السبب الثاني لتكرار النفي وتكثيفه، وفق ما يؤكد بعض مؤيّدي الرئيس أنفسهم، فيكمن في شعور رئاسة الجمهورية بأنّ ما يُنسَب إليها، ولو كان دقيقًا في بعض جوانبه، يندرج ضمن "حملة غير بريئة" تستهدف الرئيس، والأهم من ذلك، استباقًا لـ"حملاتٍ" بطابع طائفيّ ومذهبيّ قد يصطدم بها، خصوصًا إذا ما ثبُت أنّه يريد "تقييد" رئيس الحكومة المكلَّف بمهلة محدّدة أو إطار زمنيّ، بما ينتهك نصوص الدستور الواضحة والصريحة.

"لا رسالة رئاسية إلى مجلس النواب ولا من يحزنون"، يقول المحسوبون على رئيس الجمهورية، ردًا على التقارير الصحافية عن "نوايا" لدى الرئيس لإقصاء الحريري، إذا بقي رافضًا لـ"الاعتذار" من تلقاء نفسه. ويردّ المعارضون، بأنّ سرّ هذه "العِفّة" يكمن في إدراك الرئاسة بأنّ أيّ خطوةٍ من هذا النوع ستكون "خائبة"، وستثبت "عجزًا"، يريد "العهد" نكرانه. ويبقى "الطريق" الأسهل والأوفر بتسهيل ولادة الحكومة، بعيدًا عن التنقيب عن "مكاسب وأطماع" لم يعد لها أيّ قيمة!

وقد يهمك أيضا

بكركي و"الحزب" يستعجلان الحكومة ‏ولافروف طهران لا تحبّذ الثلث المعطّل

عودة الحراك على خط الحكومة وطرح مستجد لحل خلاف ‏عون ـ الحريري