الليرة اللبنانية

يلقّب لبنان بـ"سويسرا الشرق" ويعيش منذ عدة سنوات أوضاعا معيشية صعبة، وهو يعاني من اختلالات هيكلية تسببت في انفجار أزمة اقتصادية ومعيشية واجتماعية هي الأسوأ منذ الحرب الأهلية التي استمرت منذ العام 1975 حتى 1990.ووسط سيل من الاتهامات المتبادلة بين الأطراف السياسية الحاكمة والفاعلة على الساحة اللبنانية حول مسؤولية انفجار الأزمة وتدهور الأوضاع المالية والاقتصادية والمعيشية، يبقى السؤال: ما هي الأسباب التي أدت إلى تسارع الانهيار الاقتصادي في لبنان وجعل بيروت على حافة الهاوية؟

علما بأن الليرة اللبنانية فقدت نحو 80 في المائة من قيمتها منذ احتدام الأزمة في تشرين الأول الماضي، ما أدى إلى توقف العديد من الأعمال التجارية، وزيادة معدلات الفقر، وارتفاع أسعار السلع الغذائية بشكل مطرد لدرجة دفعت الجيش في الأسبوع الماضي لاستثناء اللحم من قائمة الطعام المقدم للعسكريين.

ولا يزال سعر الصرف الرسمي للدولار، وهو 1.507 ليرات في مكانه، لكنه يستخدم فقط في شراء القمح والوقود والأدوية. ويتم دعم المواد الأساسية خلال سعر صرف بـ3.900 ليرة للدولار، في حين تتراوح في السوق السوداء بين 9000 و9.500 ليرة للدولار.

وارتفعت الأسعار بنسبة 56 في المائة في أيار مقارنة مع العام السابق، حيث أصبحت كلفة الغذاء بنسبة 190 في المائة بحسب الأرقام الرسمية. ونظرا لخوف محلات التجزئة من الانهيار، فقد قرر عدد منها وقف العمل إلى حين استقرار سعر العملة، ما زاد من نسب البطالة، التي يتوقع أن تدفع نصف السكان نحو الفقر، بنهاية العام الجاري.

وارتبطت سلسلة من حالات الانتحار بالوضع الاقتصادي الرهيب. وقتل رجل نفسه في شارع الحمرا، تاركا خلفه رسالة ضمنها أغنية عن الفقر، كتبت أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، وفقا لوكالة بلومبيرغ الأميركية.وقالت الوكالة في تقرير إن لبنان الذي يقع على مفترق بؤر التوتر في الشرق الأوسط، ينهار على ما يبدو.

"صراع الجبابرة"
وقال اقتصاديون إن الأزمة الاقتصادية اللبنانية هي نتاج لمجموعة عوامل تراكمية عمرها عدة عقود لكن ما أدى إلى تسارع التدهور المعيشي والانفجار الاقتصادي هو ما سماه أستاذ الاقتصاد بالجامعة اللبنانية، جاسم عجاقة، بـ"صراع الجبابرة".

وقال عجاقة إن انتقال الصراع بين إيران والولايات المتحدة على الأرض اللبنانية وبالتحديد على الجبهة المصرفية ترتب عليه حظر قدوم الدولار إلى لبنان بحكم العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن على النظام السوري وعلى حزب الله، واتهام بعض المصارف اللبنانية بخرق تلك العقوبات.

وأكد أن الإجراءات التي قامت بها الحكومة اللبنانية الحالية لم تكن على قدر مستوى الحظر الأميركي، وحرمتها من المصدر الوحيد المتبقي للحصول على دولارات بوقف دفع سندات "اليوروبوندز"، مؤكدا أن هذا يعد أكثر قرار خاطئ في تاريخ الجمهورية اللبنانية.

وأشار عجاقة إلى أن خوف المستثمرين والمواطنين على ودائعهم البنكية دفعهم إلى الزحف لسحبها من المصارف، وهو ما كشف ضعف قدرة المصرف المركزي على تلبية هذا الطلب الهائل من الدولار والذي بدأ يستنزف الاحتياطي من العملات الأجنبية ما دفع المصارف إلى الامتناع عن إعطاء الدولارات لعملائها وهو ما تسبب في تفاقم الأزمة.

واعتبر الخبير الاقتصادي اللبناني أن الفساد هو أحد الأسباب الرئيسة للأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان في الوقت الحالي، قائلا: "أصبحنا أساتذة في الفساد"، وأضاف: "تفشي الفساد منع وجود هيكلية اقتصاد منتجة، وأضعف مؤسسات الدولة، وتسبب في زيادة عجز الموازنة وارتفاع معدلات الدين العام إلى 90 مليار دولار، وهو رقم كبير جدا بالنسبة للناتج المحلي اللبناني".

وتابع: "الطبقة السياسية كرست الفساد بعد اتفاق الطائف، تحت غطاء طائفي باسم "السلم الأهلي" واعتبار أن السلم الأهلي فوق كل اعتبار حتى لو كان فاسدا، ثم عززت حماية الفساد وتقنينه بغطاء حزبي باسم "الحماية الحزبية".وأردف: "الصراع على الأرض اللبنانية، بين أميركا وإيران، صراع جبابرة يعمق الأزمة اللبنانية يوما بعد يوم"، مشددا على أن حل الأزمة الاقتصادية اللبنانية سياسي بامتياز ويجب على الحكومة اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية لبنان على الصعيد السياسي.

قد يهمك ايضا:  

لبنان أمام سيناريو "مُخيف" في حال تعثُّر مفاوضات صندوق النقد الدولي

  الفريق القانوني في تحالف "متّحدون" يتقدَّم بشكوى قضائية ضد حاكم مصرف لبنان