البرلمان اللبناني

في تشرين الأول من العام 2000، اعتُمِد القرار رقم 1325 بشأن ضمان مشاركة المرأة وحمايتها، محدِّداً دورها في منع نشوب النزاعات المسلّحة، وموسِّعاً مروحة مشاركتها في صنع القرار الديبلوماسيّ- المدنيّ، ومُكرِّساً شكلاً جديداً من أشكال المساواة بين الجنسين، مع وضع هذه المسائل ضمن إطار العمل الأوسع نطاقاً المرتبط بالسلام والأمن .
أوّل محاور القرار 1325 الأساسية كان زيادة مشاركة المرأة في مستويات صنع القرار في النزاعات وعمليات السلام وإعادة الإعمار، الأمر الذي يصعب تحقيقه لبنانياً مع غياب التمثيل الكبير في المجلس النيابيّ أولاً، وهو ما استُبعِد مجدّداً مع إسقاط صفة العجلة عن اقتراح قانون الكوتا النسائية وإحالته على اللجان، فباتت الخريطة النيابية الحالية بذلك غير مشجّعة على صعيد التمثيل النسائي و"التمييز الإيجابيّ".
على ضوء هذا الواقع، ترى رئيسة "الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية" كلودين عون أنّ "هناك التزاماً عند الدولة اللبنانية من خلال خطّة العمل التي أقرّتها الحكومة مع رفض أن تكون الكوتا موضوع نقاش والتشديد على أن تكون موضوع إقرار"، مشيرةً في حديث لـ"النهار" إلى أنّ "القانون أُسقِط الثلاثاء بالشكل لأنّه جاء بصيغة المعجّل المكرّر وتضمّن ثلاث موادّ تعديلية، ولم يكُن لدى الأحزاب الوقت للاطّلاع عليه وقبول الصيغة". ومع إحالته على اللجان المشتركة، تؤكّد عون الاستمرار في الدفع نحو صيغة موحّدة حائزة على توافق حزبيّ لبلوغ الهئية العامة. "في وقت"، تقول، و"ثمّة مجال لإقرار الكوتا" قبل الاستحقاق الانتخابيّ.
يُعزّز مبدأ الكوتا النسائية حتميّة انخراط النساء بنسبة معيّنة في مؤسسات الدولة كافّة، وتُعتبر الكوتا بمثابة آلية لتحقيق قفزة نوعية من خلال تمييز إيجابيّ لسدّ فجوة اللامساواة الجندرية التي تتمثّل بخلل في الأدوار الاجتماعية المركّبة المُعطاة للأفراد.
غير أنّ المصطلح المثير للجدل تُقابلة وجهة نظر دستورية ترى فيه مخالفة لمبدأيَ المساواة أمام القانون والعدالة الانتخابية، بحجّة أنه يُخصِّص لفئة معيّنة، على أحقّيتها، مقاعد محفوظة.
على أيّ حال، ربّما يغيب عن بال أقطاب "النظام البطريركيّ" أنّ المجتمع الدوليّ والجهات المانحة ينتظران إصلاحات اجتماعية بنيويّة - بقدر ما تشغلها الإصلاحات الاقتصادية - قوامها الديموقراطية الفعليّة والتكافؤ بين الجنسين، وهو ما ضُرِب به عرض الحائط مع إفراغ قانون الانتخاب من الكوتا النسائية، التي وإن حصرت تمثيل المرأة بعدد مقاعد محدّد، من شأنها أن تُساهم في تكوين صورة سياسية- اجتماعية حسنة عن لبنان المتهالك، وإن جنحت نحو الشعبوية في مكان ما، كنوع من "تعويض عن نقص سابق في التمثيل"، على حدّ تعبير عون.
يذكر أنه في 25 تشرين الثاني 2015، حضّت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضدّ المرأة الحكومة اللبنانية على "اعتماد خطّة عمل وطنية لتنفيذ القرار رقم 1325 في شأن المرأة والسلام والأمن وضمان مشاركتها في مراحل عملية السلام جميعها، تماشياً مع التوصية العامة رقم 30 (2013) التي تناولت فيها اللجنة دور المرأة في منع نشوب النزاعات وفي حالات النزاعات وما بعد انتهاءها، والتِماس دعم المجتمع الدوليّ لتنفيذ التزاماته". كلّ هذا من شأن التمثيل العادل، إلى حدٍّ ما، للنساء أن يعزّزه من وجهة نظر سيكولوجيّة لما للمرأة، بصورة نمطية، من قدرة على الإقناع واعتماد مبدأ الديبلوماسية الاستباقية في الوقاية من التطرّف وتنفيذ آليات للإنذار المبكر.
النظام اللبنانيّ يحتاج صدمة معيّنة، وتعزيز مشاركة المرأة وتمثيلها في هياكل الحَوكمة المحلّية والوطنية خطوة ضرورية في مرحلة انتقالية، وتؤدّي دوراً في إرضاء المجتمع الدوليّ والجهات المانحة، وهو ما تؤكّده عون مُلمحة إلى اتفاقية اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ أﺷﻜﺎل اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ضدّ اﻟﻤﺮأة (CEDAW) التي صادق عليها لبنان، مضيفةً أنّ "نصف المجتمع مهمّش ولا يُشارك في صناعة القرارات بل يتحمّل النزاعات والانهيارات وتبعات القرارات"، ومشدّدة على ضرورة ملاقاة الالتزامات الدولية.
في حال "وصلت اللقمة للتمّ" ولم يُقرّ القانون، تُصبح المحاسبة بيد الشعب. "الرأي العامّ محكمة"، تقول عون. وفي خضمّ السعي نحو تصحيح الخلل في المشهد اللبنانيّ، تأتي عرقلة إقرار القانون في لبنان المتأخّر أصلاً عائقاً أمام الانتقال إلى مشهد قوامه التنوّع على المستوى الجندريّ.
من جهة ثانية، لعلّ أكثر ما يجعل الفرصة أمام ولادة الكوتا النسائية هو أنّ "كوتا الترشيح" التي تتّسم بديموقراطية وازنة وتُمكّن المرأة من أن تكون جزءاً من المعركة عبر تحفيز اللوائح لإدراج أسماء مرشّحات، ترتبط بالنظام النسبيّ الذي تسير العملية الانتخابية على أساسه اليوم.
في جردة سريعة للأحداث الأمنية الأخيرة بين الطيونة وعين الرمانة، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ المرأة ضحية النزاعات المسلّحة ولا أدوات لها في لبنان لإيصال صوتها خلال الاضطرابات. هذا إلى جانب التمثيل الناقص في الحياة السياسية الذي تحظى به على المستويّين الوطنيّ والمحلّي، إذ لا يشمل القانون الانتخابيّ الذي اعتُمد عام 2016 كوتا نسائية، وتشغل المرأة حالياً نحو 4 في المئة فقط من المقاعد البرلمانية من البلد الذي وقّع عام 1954 اتّفاقية الحقوق السياسية للمرأة وصادق عليها عام 1956. وتنصّ الاتفاقية على أنه يحقّ للمرأة التصويت والترشّح في الانتخابات كافّة وتولّي المناصب العامة على قدر المساواة مع الرجل.
في هذا الإطار، وقبل تمييع البحث بالقانون، ثمّنت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانّا فرونِتسكا النقاش النيابي حول الكوتا النسائية وتمثيل المرأة في الحقل السياسي، مع ضمان أن يكون المنتَخبون في المناصب القيادية أكثر تمثيلاً للأشخاص الذين يخدمونهم.
وأوضحت فرونِتسكا أن النقاش البرلمانيّ حول الكوتا "يتماشى مع التزام لبنان تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1325، على النحو المنصوص عليه في خطة العمل الوطنية حول المرأة والسلام والأمن للأعوام 2019-2022".

وقد يهمك أيضا

ندي أبو فرحات تدافع عن حقوق المرأة اللبنانية في فيديو كليب

ريا الحسن تؤكد على ضرورة مشاركة المرأة اللبنانية بقوة وفاعلية في الانتخابات البلدية