تَصنيفُ لبنان الكيانيّ

تَصنيفُ لبنان الكيانيّ

تَصنيفُ لبنان الكيانيّ

 لبنان اليوم -

تَصنيفُ لبنان الكيانيّ

بقلم : سجعان قزي

لبنانُ ـــ الدولةُ خارجَ استراتيجيّةِ دولِ المِنطقةِ والعالم. فهو ليس على راداراتِها ولا في حقلِ رؤيتِها المباشَرة. وآخِرُ تجلّياتِ ذلك تَخلّي العربِ (خصوصًا دولِ الخليجِ) والعالمِ (خصوصًا دولِ الغربِ) عن قضيّتَي اللاجئين الفلسطينيّين والنازحين السوريّين. لم يَعُد لبنانُ وطنًا ودولةً وكياناً، ولا محاورًا ولاعبًا وشريكًا. "قِرْفوا مِنّا".

يأتي ذلك والتفاوضُ يجري حاليًّا بسريّةٍ فائقةٍ بين واشنطن وموسكو حولَ النُسخةِ ما قبلَ الأخيرةِ لخريطةِ الشرقِ الأوسطِ الجديدِ ومدى قدرتِهما على الاتفاقِ سلميًّا على توزيعِ مناطقِ النفوذِ بينهما بعدما تحفَّظت إدارةُ ترامب على مُسَوّدةِ التسويةِ التي وَضعها وزيرا خارجيّةِ البلدين لافروف وكيري سنةَ 2016.

سَبق أنْ فَرزَت مراكزُ القرار الدوليِّ دولَ المِنطقةِ ثلاثَ فئات: دولٌ قابلةٌ التقسيمَ، ودولٌ قابلةٌ إعادةَ التوحيد، ودولٌ قابلةٌ الحالتين. في سبعيناتِ القرن الماضي كان لبنانُ في الفئة ِالأولى، في ثمانيناتِه أصبح في الفئةِ الثانية، ومنذ خمسِ سنواتٍ تراجعَ إلى الفئةِ الثالثة. وصَـنَّـفت تلك المراكزُ دولَ المِنطقةِ ثلاثةَ مستويات أيضًا: أنظمةٌ لا يُستَغنى عنها ولو كانت ضعيفةً، أنظمةٌ يُستغنى عنها ولو كانت قويّةً، وأنظمةٌ استَغنت هي عن دورِها. وجاءَ لبنانُ في المستوى الأخير. 

مُحصِّلةُ "تصنيفِ" لبنان: دولةٌ قابلةٌ التقسيمَ (أي الوطن) ونظامٌ استَغنى عن دورِه (أي الدولة)، تَستدعي عملاً إنقاذيًّا، ممكنًا بعدُ، إذا تَوفّرت قيادةٌ وطنيّةٌ على مستوى التحدّيات. لكن، لا الدولةُ الحاليةُ صاحبةَ قضيةٍ لتطرَحَها، فهي تَطرح قضايا الآخَرين، ولا أصحابُ القضيّةِ التاريخيّةِ يَعتبرونها، اليومَ، أولويّةً في مسيرتِهم، فالسلطةُ أوّلًا والنفاياتُ.

بعضُ دولِ المِنطقةِ استَشعر الأخطارَ فَهبَّ يَحفَظُ وجودَه ودورَه وأمنَه. هذه حالُ ملكِ الأردن الذي يَجهدُ للحؤولِ دون أن تكونَ بلادُه أرضَ التسويةِ الفِلسطينيّة / الإسرائيليّة. أما لبنان، الغائبُ عن المحافلِ الدوليّةِ كدولةٍ والحاضرُ كمُتسَوِّل، فيُخشى أن يَدفعَ ثمنَ التسويةِ الفِلسطينيّةِ النهائيّة والتسويةِ السوريّةِ الديمغرافيّةِ والصراعِ الطائفيِّ الداخليّ.

ما كانت تُعقدُ قِممٌ ولقاءاتٌ عربيّةٌ ودوليّةٌ إلّا ولبنانُ أحدُ بنودِها. كان اهتمامُ العالمِ بلبنان سابقًا يَهدف إلى حمايةِ سيادتِه واستقلالِه، فسعى إلى مصالحةِ مكوّناتِه وإلى سحبِ الجيوشِ الغريبةِ من أراضيه (الفِلسطينيّةِ والإسرائيليّةِ والسوريّةِ)، وإلى إصدارِ حُزمةِ قراراتٍ دوليّةٍ ضامنةٍ الكيانَ اللبنانيَّ بَلغت 25 قرارًا بين 1970 واليوم، وإلى منعِ امتدادِ ثلاثِ حروبٍ عربيّةٍ إسرائيليّةٍ إليه (1956، 1967، 1973)، وأَرسل قوّاتٍ متعدِّدةَ الجنسيّات وقوّاتٍ دوليّة. أَما اليوم، فالاهتمامُ بلبنانَ هو لضمانِ وجودِ الطارئين إليه ولحمايةِ أمنِ إسرائيل (تجديدُ عملِ القوّاتِ الدوليّةِ والتشديدُ على القرارِ 1701).

تَغيّرت الأمور. مَضى الزمنُ الذي كان فيه العالمُ يَنظُر باحترامٍ وتقديرٍ إلى الدولةِ اللبنانية. حبّذا لو يَدري المسؤولون اللبنانيّون ماذا يقوله المسؤولون الأجانب: يَتحسَّرون على لبنانَ ويَنتقِدون مسؤوليه بقساوة. صارت الدولُ المتحرّكةُ في لبنان تَعمَل للحِفاظ على نفوذِها لدى المكوّناتِ اللبنانية بِغَضِّ النظر عن عَلاقاتِها مع الدولةِ الشرعيّة، لا بل هناك دولٌ حَصَرت علاقاتِها بهذه المكوّناتِ واستَغنت عن علاقاتِها مع الشرعيّة. الحقيقةُ أنَّ العالمَ، منذ السنواتِ الأخيرة، يتعاطى مع لبنانَ من ثلاثِ زوايا:

الأولى: اللبنانيّون مجموعاتٌ نالت حُكمَها الذاتيّ وإنْ لم تُسجِّله شرعيًّا. فخطوطُ تماسِ زمنِ الحربِ رُفعَت عسكريًّا وبَقيت جغرافيًّا وحَلّت مكانَها حدودٌ فاصلةٌ حضاريًّا وتربويًّا واجتماعيًّا وبائنةٌ للعَيان. وجماعةُ كلِّ مقاطعةٍ، لا لبنان، هي جُزءٌ من استراتيجيّةِ دولةٍ خارجيّةٍ على حسابِ الدولةِ والكِيان. وإذا كان زعماءُ المقاطعاتِ ما زالوا يُعلنون علنًا وبوقاحةٍ أنّهم ضِدَّ التقسيمَ والفدراليّات ـــ ومَن سواهُم يُقسِّم؟ ـــ فلأنَّهم لم يَنتَهوا بعدُ من عمليّةِ نقلِ ممتلكاتِ الدولةِ الموحَّدةِ إلى مناطقهِم. مَن رأى دولةً غيرَ لبنان يَجولُ فيها الزائرون الرسميّون الأجانبُ على مُلتزِمي المناطقِ والطوائفِ والمذاهب؟ في الدولِ الموحَّدةِ وذاتِ السيادةِ الداخليّةِ، يكتفي هؤلاءِ بمحادثاتٍ مع رئيسَي الجمهورية والحكومة، أما هنا، فيَلتقون المسؤولينَ الرسميّين رفعَ عتبٍ بروتوكوليٍّ لأنَّ القراراتِ التنفيذيّةَ رهنُ مُلتزِمي المقاطعات.

والثانيةُ: لبنانُ هويّةٌ بديلةٌ لكلِّ شعبٍ شرقِ أوسطيٍّ مُضطهَدٍ. فلدى العالمِ فكرةٌ قديمةٌ هي أنَّ لبنانَ كان عبرَ تاريخِه أرضَ لجوء، وهكذا تكوّنَ. وبالتالي، لمَ لا يَصُحُّ اليومَ ما صحَّ عبر التاريخ. وما سَمح لهذا التفكيرِ الدوليِّ أنْ يَنموَ ويَنتشرَ وجودُ دولةٍ ضعيفةٍ ومسؤولين ضَنينين برَفاهِ اللاجئين أكثرَ من حرصِهم على مستقبلِ لبنان واللبنانيّين.

والثالثةُ: لبنانُ بؤرةٌ أمنيّةٌ تَقترب تدريجًا من الحالتين السوريّةِ والإيرانيّةِ على صعيدِ العقوباتِ الدوليّة. فبعد أن كان المجتمعُ الدوليُّ يضعُ لبنانَ على لائحةِ أولويّاتِه ويحفَظُ استقلالَه واستقرارَه ووِحدتَه، بات يَنظُر إليه كمربّعٍ لحزبِ الله أكثرَ من كيانِ دولةٍ لبنانية. لا بل، يدفع الشعبُ والدولةُ ثمنَ هذه النظرة. وما مَن يَتحرّك.

لذلك، واجبُ الدولةِ اللبنانية ـــ لا بدّ من التوجّهِ إليها ــــ وهي تَتحضَّر للمشاركةِ في الدورةِ السنويّةِ للأممِ المتّحدةِ وفي مؤتمراتٍ أوروبيّةٍ أخرى، أن تستعيدَ الضميرَ الوطنيَّ وتستذكرَ مجدَ دولةِ لبنان وعظمةَ هذا الشعبِ المؤثِّرِ في الحضارةِ العالميّة، علّها تَنجحُ في وقفِ المسارِ الانحداريِّ للوجودِ اللبناني. فإذا كانت الشعوبُ العربيّةُ تَـمنَّت في مرحلةٍ معيّنةٍ تَغييرَ أنظمتِها، فاللبنانيّون يُطالبون باستعادةِ نظامِهم لأنّهم يعيشون منذ سنواتٍ في حالةِ "اللانظام"، وباستردادِ دولتِهم لأنهم يعيشون خارجَ سقفِها، فيما هي تعيشُ خارجَ شرعيّتِها لأنّها أَجَّرتْها مرّةً عنوةً ومرّةً برضاها.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تَصنيفُ لبنان الكيانيّ تَصنيفُ لبنان الكيانيّ



GMT 04:55 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

السباق على استعمار القمر

GMT 04:46 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

نتانياهو متهم والولايات المتحدة تؤيده

GMT 04:40 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

فى حياته.. ومماته!

GMT 13:45 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

الإعلام والدولة.. الصحافة الورقية تعاني فهل مِن منقذ؟!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon