وقف إطلاق النار فرصة تاريخية للعرب

وقف إطلاق النار... فرصة تاريخية للعرب

وقف إطلاق النار... فرصة تاريخية للعرب

 لبنان اليوم -

وقف إطلاق النار فرصة تاريخية للعرب

بقلم:مأمون فندي

أخيراً قرَّر الرئيسُ الأميركيُّ دونالد ترمب وقفَ إطلاقِ النَّار في غزةَ، وهو قرارٌ لم يكنْ مفاجئاً لمنْ يعرف آلياتِ صنعِ القرارِ في واشنطن؛ فترمب وحدَه يملك القدرةَ على فرض مثل هذا القرارِ بحكم النفوذ الأميركي السياسي والعسكري على إسرائيلَ، التي تبقى سياساتُها مرهونةً بالدعم الأميركي. لكنَّ السؤالَ الجوهريَّ هو: لماذا الآن؟ لماذا لم يصدرِ القرارُ قبل أشهرٍ، رغم أنَّ حجمَ الدَّمار في غزةَ لم يتغيّر كثيراً؟ الإجابةُ المختصرة: إنّه التَّحولُ العميقُ في الرأي العام الأميركي والأوروبي الذي أجبر ترمب على التَّحرك. هذا التَّحولُ يوضّح كيف تعمل الديمقراطياتُ الغربية، وكيف يمكن لتبدُّلِ المزاجِ الشعبي أن يغيّر اتجاهَ السياسة مهما كانتِ التحالفات أو القناعات؛ فالرأيُّ العام هو الذي يحدّد من يبقَى في الحكم ومن يغادره.

عبارةُ ترمب لنتنياهو: «قلت لك إنَّك لا تستطيع مواجهة العالم، قلتُها مرتين، وفهمتَ ما أعني»، تلخّصُ هذا التحول؛ فهي إقرار بأنَّ إسرائيل لم تعد محصنةً من النقد، وأنَّ الرأيَّ العامَّ الغربي بدأ يفرض حدوداً على ما يمكن لإسرائيلَ فعله في غزةَ دون أن تدفع ثمناً سياسياً. وأنَّ الدعمَ الأميركيَّ والأوروبيَّ لإسرائيلَ تآكل، وأنَّ استمرارَ الحرب سيجعلها في عزلة حتى عن أقرب حلفائها. فقد أوضح له أنَّ دولاً مثل بريطانيا وفرنسا وإسبانيا والنرويج والبرتغال باتت مضطرة إلى مجاراة شعوبها التي لم تعد تقبل بمشاهد القتل والدمار، فاختارت الاعتراف بالدولة الفلسطينية لتفادي تكلفة سياسية داخلية، كما تضمَّن خطاب كير ستارمر رئيس الوزراء البريطاني، الذي اعترف فيه بالدولة الفلسطينية، هذا المعنى. في الولايات المتحدة، جاءت استطلاعاتُ الرأي لتؤكدَ هذا التحول؛ فاستطلاع «رويترز - إبسوس» في أغسطس (آب) 2025 أظهر أن 59% من الأميركيين يرون أنَّ الردَّ الإسرائيلي تجاوز الحدودَ المقبولة، و58% يؤيدون الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة. وأفاد مركز «بيو» بأنَّ 53% من الأميركيين باتوا يحملون آراءً سلبية تجاه إسرائيل، مقابل 42% فقط قبل 3 سنوات. كما أظهر استطلاع «غالوب» انخفاض التأييد للعمليات العسكرية الإسرائيلية إلى 32% فقط، بينما يعارضها 60%.

هذا التَّحولُ الشعبيُّ أقلقَ الحزبَ الجمهوري، الساعيَ للاحتفاظ بأغلبيته في الكونغرس؛ فالدفاع عن إسرائيل الذي كان شعاراً ثابتاً للجمهوريين بات عبئاً انتخابياً؛ لذا حينَ قالَ ترمب لنتنياهو: «لم يبق أحدٌ مؤيدٌ لإسرائيلَ في الكونغرس بالحماس السابق»، كانَ يصف واقعاً جديداً في واشنطن، حيث أصبح دعمُ إسرائيلَ غيرُ المشروط مكلفاً سياسياً. أمَّا في أوروبا، فالصورةُ أكثر وضوحاً. فبحسب استطلاع «يوغوف - يورو تراك» منتصف 2025، تراجعَ التأييد لإسرائيلَ في دولٍ كبرى مثل ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا والدنمارك والمملكة المتحدة إلى أدنى مستوياته؛ إذ لم تتجاوز نسبة من يحملون رأياً إيجابياً تجاهها 21%، بينما عبّر 70% تقريباً عن مواقف سلبية أو متحفظة. وفي ألمانيا، أيد 54% الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، مقابل 31% عارضوا. أما في بريطانيا، فرأى 53% أنَّ العمليات الإسرائيلية في غزة تجاوزت الحد، وأيّد 45% الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

هذه الأرقام ليست تفاصيل هامشية، بل مؤشرات على تحول جذري في المزاج الغربي؛ فقد غدتْ صورُ الدمار في غزة، التي تُبثُّ لحظةً بلحظة، أقوى من أي خطاب سياسي يبرر الحرب. العالم الغربي، الذي كانَ يرى إسرائيلَ «الضحية الدائمة»، بات يدرك اختلالَ ميزان القوة، وأنَّ ما يجري في غزةَ عقابٌ جماعي لا دفاع عن النفس.

في هذا السياق، يصبح قرارُ ترمب محاولة لاحتواء موجة السخط الشعبي في الداخل الأميركي والغربي عموماً؛ فهو يدرك أنَّ استمرار الحرب لا يضرُّ فقط بصورة إسرائيل، بل يهدد موقعَ الولايات المتحدة بوصفها وسيطاً دولياً. إنَّ الانتصارَ الحقيقيَّ للقضية الفلسطينية اليوم ليس عسكرياً، بل معنوي وإعلامي؛ فقد نجحت المأساة الإنسانية في غزة في إعادةِ تعريف الصّراع في الوعي العالمي، ووضع إسرائيلَ في موقع لم تعهده من قبل، تواجه فيه انتقاداتٍ حادةً من داخل المجتمعات الغربية نفسها.

كما كان للمبادرة السعودية - الفرنسية، دور كبير إذ خلقت زخماً سياسياً جديداً تُرجم إلى سلسلة اعترافات أوروبية بالدولة الفلسطينية. هذه المبادرة كانت استثماراً ذكياً في التحول الحاصلِ في الرأي العام الغربي؛ إذ حوَّلت التعاطفَ الإنساني إلى فعل سياسي مؤثر.

العالم إذن تغيّر، وأصبحتْ عقول الناس أكثرَ فهماً وتفتّحاً ووعياً. والسياسيون في الديمقراطيات لا يستطيعون تجاهل شعوبهم. أمَّا العرب، فعليهم أن يدركوا أنَّ هذا التحولَ فرصة تاريخية ينبغي البناء عليها بعمل منظم وعقلاني لا بخطاب عاطفي؛ فتعميق الفجوة بين إسرائيل والعالم، واستثمار هذا المناخ في مسار جاد نحو تحقيق حلم الدولة الفلسطينية، هو الطريق الوحيد المتاح اليوم، وربَّما الأنجع منذ عقود.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وقف إطلاق النار فرصة تاريخية للعرب وقف إطلاق النار فرصة تاريخية للعرب



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon