استعادة الدولة بتفكيك «دولة الفساد العميقة»

استعادة الدولة بتفكيك «دولة الفساد العميقة»!

استعادة الدولة بتفكيك «دولة الفساد العميقة»!

 لبنان اليوم -

استعادة الدولة بتفكيك «دولة الفساد العميقة»

حنا صالح
بقلم - حنا صالح

من لحظة تشريع قانون عفو عن جرائم الحرب في لبنان، وبدء ترسيخ «حصانات» المسؤولين، والتسليم بـ«الإفلات من العقاب»، كل ذلك معطوف على إملاء خارجي قضى بعدم حلِّ ميليشيا «حزب الله»، ارتسمت معالم الانقلاب على «الطائف» والدستور لمنع قيام الدولة. مذّاك اقتصر دور الحكومات على إدارة الأزمات وتقاسم المكاسب. لقد أقاموا نظام محاصصة طائفياً غنائمياً.

بعد اكتمال الانهيار المالي والسطو على جني الإعمار، بعدما قامر الكارتل المصرفي بالودائع، انعقد في القصر الجمهوري اجتماع أركان منظومة الحكم ضم الرؤساء الثلاثة ميشال عون، ونبيه بري وحسان دياب، بالإضافة إلى مسؤولين كبار آخرين. كانت خلاصة الاجتماع قرار يلوي عنق الدستور والقانون يقضي بتجميد دعاوى المواطنين لاستعادة ودائعهم من المصارف. ومن ذلك التاريخ توقف القضاء عن البت بحقوق من نُهبوا وأُذلوا. وعلى مدى 5 سنوات ونيّف على بدء الكارثة وتعاظم الانهيار، فإنه رغم إفشال محاولات عدة لتشريع عفو عن الجرائم المالية، فما من متهم عن منهبة طالت 200 مليار دولار!

أثار الفرح تكليف شركة دولية «التدقيق الجنائي» بوضعية مصرف لبنان، لكن القلق تقدم ما عداه. انتهى «التدقيق الجنائي» بتسليط الضوء على خسائر تفوق الـ70 مليار دولار في حسابات المصرف المركزي وحده، ولفت إلى أن الحاكمية حجبت مستندات حملت معطيات عن عمولات فلكية (بحدود 8 مليارات دولار)، ما كان يوجب استكمال «التدقيق»، لكن الأمر أُحيل إلى النيابة العامة فأقدم رئيسها آنذاك القاضي غسان عويدات على توزيع «التدقيق الجنائي» على أربع جهات قضائية، فتحقق مبتغى المتسلطين بعدم الوصول إلى أي قرار اتهامي، وكأن «التدقيق» لم يكن.

استدعى قاضي التحقيق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت سياسيين وأمنيين وإداريين كباراً، وادعى على 4 وزراء: علي حسن خليل، وغازي زعيتر، ونهاد المشنوق ويوسف فنيانوس، بجناية «القصد الاحتمالي» بالقتل وطلب توقيفهم. تمرد رئيس الحكومة آنذاك حسان دياب ولم يستجب، ولم يمنح الرئيس السابق ميشال عون الإذن باستدعاء مدير عام أمن الدولة، وحجب وزير الداخلية مثول مدير الأمن العام أمام قاضي التحقيق.

وبأمر من قائد قوى الأمن الداخلي أهملت الضابطة العدلية تنفيذ المذكرات القضائية. ومن فوق القانون ومقتضياته، يقوم المدعي العام السابق، وهو مدعى عليه، بالادعاء على المحقق العدلي، ويفرج عن موقوفين على ذمة التحقيق. وبعد 4 سنوات ونيف على التفجير الهائل لا عدالة بعد للعاصمة ولا للضحايا!

يوم 14 فبراير (شباط) ولمناسبة مرور 20 سنة على اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أعلن رئيس الحكومة نواف سلام أن «الدرس الذي يجب استخلاصه هو أنه لا استقرار ولا أمان في ظلِّ الإفلات من العقاب».

وقبل أيام قال القاضي سلام إنه «من دون قضاء مستقل لا حماية للحريات ولا استعادة للحقوق ولا استقطاب للاستثمارات». وحمل البيان الوزاري تعهداً بـ«ترسيخ استقلال القضاء (...) بما يضمن مناعته حيال الضغوط وقيامه بدوره بضمان الحقوق وصون الحريات ومكافحة الجرائم». وشدد على «الحؤول دون منع أو تأخير عمل المحققين العدليين، وبخاصة في قضية انفجار مرفأ بيروت وقضايا الفساد المالي والمصرفي». وتعهد بإصلاح الدولة وتحصين سيادتها بوصف ذلك «مهمة ترقى في عددٍ من القطاعات إلى إعادة بنائها من جديد».

ستكون الحكومة فور نيل الثقة، وهي حكومة تأسيسية، أمام استحقاق إعادة بناء مؤسسات الدولة استجابةً «لتطلعات اللبنانيين إلى دولة قادرة عصرية تستعيد ثقة مواطنيها»، والوعد ملء الشواغر «بنساء ورجال متميزين بنزاهتهم وكفاءتهم وولائهم للدولة». والحديث يدور هنا عن شواغر في الفئة الأولى وحدها نسبتها 56 في المائة، أي 143 مركزاً، تشمل قيادات الجيش والقوى الأمنية والمصرف المركزي والقضاء والمديرين العامين والسفراء والهيئات الناظمة والرقابية، إلى الشواغر في الفئة الثانية. هنا يبدأ التحدي بين ذهنية يحملها رئيس الحكومة متصادمة مع أداءٍ لا يرى أصحابه من وظيفة للدولة إلا أن تكون مصدر ثروة ونفوذ لمن تحاصصها. منذ العفو عن جرائم الحرب، توزع زعماء الطوائف المواقع من رتبة وزير نزولاً إلى الحاجب، اعتبروا أنفسهم فوق القانون والمساءلة؛ ما منح هذه المنظومة «حق» استباحة إمكانات الدولة من واردات وأملاكٍ عامة، من دون خشية من رقيب أو حسيب.

لن تكون سهلة معركة تقديم نخبٍ ولاءها للدولة، لكنها ممكنة مع «التسونامي» الشعبي الدافع لإصلاح حقيقي وتغيير فعلي، وممكنة كذلك مع سقوط زمن السلاح اللاشرعي الذي غطى الفساد وشكَّل نوعاً من «البزنس» لتدفق الأموال «النظيفة».

فلبنان اليوم أمام فرصة تاريخية لاستعادة الدور وبدء التعافي. والممر الإجباري لعدم تفويت هذه الفرصة يفترض تعييناتٍ تفكك «الدولة العميقة» التي حُشيت بالأتباع، من خلال تقوية المؤسسات ورفدها بالكفاءات وليس المحسوبيات، ليبدأ مسار إصلاح ما أفسده دهر نظام المحاصصة الذي سلّط تحالفاً مافياوياً ميليشياوياً على البلد لأكثر من 3 عقود، فيستعاد القرار و«الدولة الوفية للدستور»، التي «تؤمّن العدالة للجميع من دون استثناء أو تقاعس».

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استعادة الدولة بتفكيك «دولة الفساد العميقة» استعادة الدولة بتفكيك «دولة الفساد العميقة»



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon