في وصف الراكب

في وصف الراكب..!!

في وصف الراكب..!!

 لبنان اليوم -

في وصف الراكب

حسن خضر
بقلم : حسن خضر

كانت النيّة، في معالجة اليوم، تسليط مزيد من الضوء على المرجعيات النظرية لجماعات وأفراد في أقصى اليمين الأميركي والغربي. ولكن بما أن فكرة «ركوب النمر»، التي تناولنا بعض جوانبها، في معالجة سبقت، تتفاعل في أميركا الترامبية بطريقة فريدة، وربما غير مسبوقة في التاريخ الأميركي نفسه، وتتجلى على شاشة التلفزيون، وفي نشرات الأخبار، بعد مقتل جورج فلويد، كنوع من الصلصال الحار، الذي لا يكف عن التشكّل، فمن المنطقي الكلام أكثر عن الراكب.
ولن أُعيد، حرصاً على المساحة، فكرة «ركوب النمر»، التي نالت معالجة مقتضبة، وعادلة، على الأرجح، في مقالة الثلاثاء الماضي. كل ما في الأمر أن «مكر» التاريخ، وكلبيته، وطريقته في «سخط» الأفكار، والكائنات، لم تكن لتتجلى، وبهذا القدر من البراعة والبشاعة، حتى في أكثر أنواع الخيال عبثية وكافكاوية، كما تتجلى الآن في ترامب.
بكلام آخر، تتجلى في «راكب النمر»، الذي يُراهن عليه اليمين القومي ـ الديني، الأبيض ـ الإنجيلي، والفاشي، في أميركا والغرب لتدمير النظام الديمقراطي، ويراهن عليه نتنياهو، مُعلّمه في الواقع، لحسم الصراع في فلسطين وعليها مرّة واحدة وإلى «الأبد». والأبد، من حسن الحظ، طويل جداً.
وإذا كان ثمة ما يبرر، هنا، التذكير بالصلة التي أقمتها (كما فعل غيري، أيضاً) بعيد فوزه بالرئاسة، بين ترامب ومجتمع الفرجة (بلغة غي ديبور) الذي أنجبه، إلا أن الصلة التي تبدو في سياق معالجة نظرية، إلى حد ما، باردة ومحايدة، لا تستنفد كل دلالات الرعب، والعدمية، وموت المعنى، التي أسفر عنها فعل الإنجاب.
وأعتقد أنني لن أتمكن من القبض على دلالات كهذه دون الاستعانة بوسيلة إيضاح تمثلها عبارة لحنّا راندت عن الكذب في السياسة. تقول في مقالة نُشرت في خمسينيات القرن الماضي: «المشكلة مع الكذب والخداع أن فعاليتهما تعتمد كلياً على فكرة واضحة عن الحقيقة، التي يريد الكاذب والمُخادع طمسها، وبهذا المعنى فإن للحقيقة وإن لم تسد على الملأ بين الناس أولوية على كل أنواع الزيف».
كلام بديع. يصلح كمصدر لحصانة وتفوّق أخلاقيين بالنسبة للعاملين في الحقل الثقافي، إذا أدرك هؤلاء أن جانباً من فعاليتهم، وجدوى وجودهم، يتمثل في قول الحق في وجه السلطة (بتعبير حبيبنا إدوارد سعيد). ومع ذلك، كلّما تعلّق الأمر بترامب، وبقدر ما أرى، يتمثّل مصدر الرعب في حقيقة أن المذكور يعتقد بأنه لا يمارس الكذب والخداع. فهو لا يملك «فكرة واضحة عن الحقيقة» التي يريد طمسها. وقيمة الصدق نفسها، أدنى مرتبة كمعيار في علاقته بالواقع، من معيار المنفعة، خاصة إذا كانت شخصية، وكان فيها يُشبع حاجة تبدو مرضية، تماماً، لدغدغة الأنا، وتضميد جراح نرجسية.
لن يفشل أحد، بطبيعة الحال، في إثبات كذب وخداع المذكور. ومن حسن الحظ أن جريدة الواشنطن بوست (وهي حوت كبير)، قد خصصت على صفحاتها زاوية يومية لإحصاء أكاذيبه ومراوغاته، التي بلغت منذ وصوله إلى البيت الأبيض، وحتى مساء يوم أمس (الاثنين) 19127 كذبة ومعلومة خاطئة، ومحاولة تضليل.
ويعنيني، من الشواهد الموحية، في كتاب بوب ودورد «الخوف: ترامب في البيت الأبيض»، الكلام عن لقاء جمعه ببانون، وخبير جمهوري في الانتخابات، لبحث ترشّحه للرئاسة على قائمة الجمهوريين (تنقّل أكثر من مرّة بين عضوية الحزبين الجمهوري والديمقراطي). قالا له: لن تتمكن من الترشّح، على قائمة الحزب الجمهوري، لأنك تؤيد الإجهاض. قال أنا لا أؤيد الإجهاض. قالا له: ولكن لك، في الماضي، تصريحات موثّقة بالصوت والصورة. قال: وهل يمكن «تزبيط» الأمر؟ قالا: يمكن. قال: حسناً، أنا ضد الإجهاض، إذاً.
لم يكن ترامب في الحادثة المذكورة، وهي غيض من فيض، معنياً بشيء غير ما يحقق مصلحته الشخصية. وهذا، عموماً، ما تصفه لغة السياسة بالانتهازية، ولغة الأخلاق بموت الضمير. ورغم الدلالة السلبية، تماماً، والمُنفّرة، لصفات كالانتهازية، أو موت الضمير، إلا أن ما لا يحصى من الناس يفعل هذا، أو ما يشبهه، بطريقة أوتوماتيكية أحياناً، لتدبير لقمة الخبز، أو الفوز بالوظائف، أو النجاة من غول الطغيان في ظل أنظمة شمولية.
ولكن ما يصدق على ما لا يحصى من بني البشر لا يصدق، بالضرورة، وللأسباب نفسها، على شخص وُلد لعائلة مهاجرين. كان الجد حلاّقاً، ويُقال اشتغل في مهن «غير شريفة»، وكان الأب مقاولاً عصامياً يكره السود، ويحرص، كما سيتعلّم الابن في وقت لاحق، على «تزييت» دواليب السلطات المحلية، وممثلي الجمهوريين والديمقراطيين، للحصول على التراخيص والتسهيلات اللازمة في مجال العقارات.
حتى هذا كله، يبدو مفهوماً، ولا يبرر الكلام عن دلالات الرعب، إلا مرئياً على خلفية رفض مجتمع كبار الرأسماليين والعائلات العريقة (بيض ـ بروتستانت ـ أنجلو ساكسون) في نيويورك، وغيرها، الاعتراف بالأب، ولاحقاً بالابن، كأعضاء طبيعيين في نادي النخبة. وقد شاءت أقدار مُفزعة أن يكون الابن مريضاً بنفسه، وأن يصيبه فشل الالتحاق بالنخبة، والحصول على اعترافها، بجراح نرجسية لم تندمل.
وبهذا نكون قد اقتربنا من دلالات الرعب، عن طريق التاريخ العائلي، أيضاً. فقد نشأ دونالد ترامب في بيت يشتغل صاحبه في سوق العقارات، وعمل عند أبيه محصلاً للإيجارات، ومشرفاً على أعمال الصيانة، ولم يبد اهتماماً بغير تسريحة الشعر، ولون السيارة، والعلاقات النسائية في وقت لاحق. لم تلفت انتباهه حركة الحقوق المدنية، أو الحرب في فيتنام، وكلتاهما تجربة تكوينية أولى لبني جيله من الأميركيين. ولنا عودة إلى أميركا ما بعد الحرب الثانية، ونشوء التلفزيون، و»صرعة» أخبار وفضائح المشاهير.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في وصف الراكب في وصف الراكب



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon