تركيا في شمال سوريا هل هو الحل أم فصل جديد

تركيا في شمال سوريا هل هو الحل أم فصل جديد؟

تركيا في شمال سوريا هل هو الحل أم فصل جديد؟

 لبنان اليوم -

تركيا في شمال سوريا هل هو الحل أم فصل جديد

د.مصطفى علوش
بقلم : د.مصطفى علوش

«غد بظهر الغيب واليوم لي وكم يخيب الظن بالمقبل
ولست بالغافل حتى أرى      جمال دنياي ولا أجتلي»      (أحمد رامي، رباعيات الخيام)

ليس من السهل استبدال الأسطورة الوطنية للشعوب، وتصبح قضية التغيير شبه مستحيلة إذا اختلطَت الأسطورة القومية بالدين، ليتداخل المقدّس مع الوطني بحيث يصبح من غير الممكن رسم الحدود بينهما. هذا هو واقع تركيا اليوم التي ما زالت تعيش، بمُتديّنيها وعلمانييها، أسطورة الإمبراطورية العثمانية.

قد يظنّ البعض أنّ أتاتورك تخلّى عن الخلافة الإسلامية راضياً، لكن الواقع هو غير ذلك، فلو لم تتغيّر الظروف وتنقلب موازين القوى العالمية، لكان أتاتورك أعلن نفسه خليفة للمسلمين، بغضّ النظر عن إيمانه. فكيف يرفض حكم أمبراطورية مترامية الأطراف إن كان الدين هو ما يجمعها؟ لكنّ ذهاب السلطان أتاتورك إلى علمنة الدولة لم يأت إلّا للحفاظ على ما أمكَن من بقعة من الأرض بالتفاهم مع القوى الجديدة المُهَيمنة.

إنّ معاهدة سيفر هي المعاهدة التي عقدت عام 1920 مع تركيا المهزومة بعد قرنين من التحولات العنيفة في أوروبا، بعد هزيمتها المنطقية في الحرب العالمية الأولى بعد قرن من عدم استقرارها وتَناتش حدودها. كان الاتفاق بين قوات الحلفاء المنتصرة وممثلين عن الدولة العثمانية بأن تُلغى المعاهدات السابقة مع الإمبراطورية العثمانية، واضطرّت تركيا إلى التخَلّي عن كافة الحقوق في الدول العربية في آسيا وشمال أفريقيا، ونَصّت المعاهدة أيضاً على استقلال أرمينيا، وكذلك كردستان مستقلّة أو بحكم ذاتي، وإلى وجود يوناني في شرق تراقيا على الساحل الغربي للأناضول والسيطرة اليونانية على جزر بحر إيجه المُتحكّمة في مضيق الدردنيل. أتاتورك، وبعد نضال عسكري وسياسي داخلي وتسويات مع القوى العظمى، وفي ظل خوف تلك الدول من تَمدد النفوذ السوفياتي، تمكّنَ من استبدال معاهدة سيفر بمعاهدة لوزان عام 1923، ممّا أعاد له ما أصبح اليوم تركيا الحالية. لكن هل يعني ذلك أنّ الأتراك نسوا الأسطورة يوماً؟

مُكره أخاك لا بطل! أردوغان الذي ورثَ الأتاتوركية وأسّس حكمه عليها، يحمل حلم السلطان سليمان القانوني ذاته. لكنه عَلم، منذ اليوم الأول لدخوله في عالم المنافسة على السلطة، أنّ الشعارات وحدها لا تكفي لِلَملمة شمل الإمبراطورية. فهم أن الاقتصاد يأتي أولاً، وتمكّنَ استناداً إلى الإرث الأتاتوركي، مُطعّماً بنكهة ديموقراطية وانفتاح على اقتصاد السوق «العلماني»، أن يضاعف الناتج القومي، ولكن ليس استناداً إلى الإرث الحزبي الإخواني، بل على البراغماتية الرأسمالية مُطعّمة ببعض الشعارات الإسلامية ومظاهر الورع، ليس إلّا.

كان هم أردوغان في البداية هو السعي إلى التوسّع غرباً من خلال مغامرة الدخول إلى الإتحاد الأوروبي، ولكن عندما أحبطت الآمال، كان البديل التوجّه شرقاً، فتَذكّر فلسطين وغزة، وأرسل باخرة لكسر الحصار، فسقط الشهداء الذين لم يتذكروا أنّ أردوغان ذاته، عندما كان رئيساً للوزراء سنة 2005، زار إسرائيل والتقى نظيره أرييل شارون بهدف «تعزيز التعاون الإقتصادي والعسكري».

لا أحد بالطبع يطلب من أردوغان أن يكون أكثر عداوة من العرب لإسرائيل، فهو بالنهاية رئيس دولة تسعى لمصالحها. وبالتالي، فلا سبب له للمزايدة لا على العرب ولا على الفلسطينيين أنفسهم. وعلى كل الأحوال لم تُقطع، أو تنقطع العلاقات بين البلدين حتى في أصعب الظروف.

لكن ما الذي يحدث اليوم في الشمال السوري؟

لا أحد يشك اليوم أنّ الكثير مِن غَض النظر من الجانب التركي سمح لآلاف المغامرين الداعشيين بالوصول إلى العراق وسوريا، وهناك من المطّلعين من يؤكد أنّ تركيا طلبت من دول مجلس الأمن، بُعَيد انفلاش داعش، الضوء الأخضر والغطاء الدولي لِتوَلّي مهمة القضاء على داعش، وكان ذلك يعني أنه ستكون لها اليد الطولى في سوريا بعد ذلك، ومن خلالها العودة للوصاية على جزء من الإمبراطورية العثمانية، وفتح أبواب الإقتصاد شرقاً بعد أن أوصد باب الإتحاد الأوروبي غرباً. لكن هذا العرض قوبِل يومها بالصمت المُطبق، ومن بعدها بدأ التخبّط التركي ذات اليسار وذات اليمين بين أميركا وروسيا وإيران والنصرة...

لا يمكن لأيّ عاقل ألّا يَتفهّم هاجس الدولة الكردية على أي بقعة من الأرض بالنسبة لتركيا، وهذا بغضّ النظر عن وَصف أي مجموعة كردية، سياسية كانت أم عسكرية، بأنها إرهابية. فوجود دولة من هذا النوع سيشجّع النزعة الكردية للانفصال في تركيا ذاتها، وبالتالي العودة إلى مسلسل الصراع العنيف الذي ضرب تركيا لعقود طويلة، وقد ينتهي ذلك بفكفكة جغرافيتها. إنّ مسألة المنطقة العازلة، كما هي مطروحة بعمقها وطولها، ستؤدي إلى إبعاد الحكم الذاتي الكردي عن الحدود التركية، أي إبعاد الشر قدر الإمكان، ومن ثم بناء جدار عازل سكّاني من العرب السوريين قد يصل إلى عدة ملايين، وقد تكون تلك المنطقة، إذا ثبتت واكتملت، تعويضاً لتركيا عن ربما الوصول إلى حلب أو أبعد، إن لم نقل ايضاً جزءاً من العراق.

لكنّ السؤال هو هل سيكتمل المشروع؟ وهل يشكّل ما يحدث مدخلاً للحل في سوريا، أم هو فصل جديد من مشروع أوسع لم تكتمل فصوله بعد؟ الأسابيع القادمة ستأتي على الأرجح ببعض الأجوبة. ولكن ما هو موقف النظام السوري وهل يستفيد من كل ذلك؟ الجواب في المقالة القادمة. 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تركيا في شمال سوريا هل هو الحل أم فصل جديد تركيا في شمال سوريا هل هو الحل أم فصل جديد



GMT 12:47 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان: الاستقلال للشعب... والاحتلال للسلطة!

GMT 12:42 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

المريض الايراني والعراق

GMT 12:37 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الدولة الوطنية من بيروت إلى بغداد

GMT 12:33 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لكن هؤلاء «الأشرار» هم أبناؤنا

GMT 12:31 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

السرّ في اللغة

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020

GMT 09:19 2023 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

أنا النزيل الأعمى على حروف الهجاء ( في رثاء أمي الراحلة)

GMT 16:42 2020 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

التونسية أنس جابر تكتب التاريخ في بطولة أستراليا للتنس

GMT 04:36 2022 الأحد ,15 أيار / مايو

هل نراجع أحكامنا المطلقة؟
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon