بقلم: عبد المنعم سعيد
افتتاح المتحف المصرى الكبير هو الحلقة التى يقدمها الجيل المصرى الحالى من القادة إلى النخبة إلى الجماهير ليقظة الحداثة المصرية من محمد على الكبير حتى الآن. قبل ثلاثة آلاف عام ذهبت الحضارة المصرية فى جب عظيم كان أحيانا يضيء وأوقات أخرى كان يدخل فى بحر الظلمات، حيث يغيب الضوء باختلاط الهوية وتفادى عظمتها حتى بات الماضى مجمعا للمساخيط. كانت الجغرافيا السياسية تسمح لمن يحكم أن يكون لمصر نوع من المكانة؛ ولكن التاريخ كان منقطعا عن ذاتها الخالدة.
«الخلود» من مكونات الهوية المصرية منذ حلت أسطورة «إيزيس وأوزوريس» اللغز الإنسانى لما سوف يأتى بعد الحياة الدنيا؛ وحتمية انتصار الخير على الشر بعد الحساب عن الحياة الدنيا وتلقى المكافأة فى الأولى والعذاب فى الآخرة. الشكل والمضمون كان ما ورد فى الديانات السماوية، ولكن الفارق المصرى جاء فيما فعله النيل من تفجير للثورة الزراعية التى كان لها من الأثر ما بقى خالدا مجسدا فى عمارة تكون قادرة على تحدى الزمن.
خلال قرنين وأكثر قليلا عادت مصر للمصريين من وقت معرفة اللغة الفرعونية، حتى باتت الاكتشافات الفرعونية تفصح عن خلود حضارة عظمى فيها علم وأخلاق. فى فيلم «المومياء» الذى أخرجه «شادى عبدالسلام» مشهد الإفصاح عن أن المعابد والأهرامات والكتابات على الحوائط والمسلات ليست لمساخيط وإنما تعبيرات عن حضارة عريقة خالدة كان فيها من الصمود ما جعلها تليق بشعب مصر. ساعتها حرمت عيون المصريين من «نعمة الصفاء» الذى لن يحدث إلا إذا باتت مصر للمصريين.
حدث البعث عبر أكثر من قرنين لحلقات من التراكم الوطنى الذى أخذنا للحلقة الهامة الحالية التى استعادت «الخلود» والديمومة لحضارة خالدة لا يتوقف فيها البناء والإنتاج والعمل ليس وفق مقاسات الفقراء والجهلاء وفاقدى الثقافة وإنما وفق مستويات العظمة فى عصرها. المتحف ليس فقط الحلقة الأخيرة فى الحضارة المصرية؛ وإنما هو الواجب الملقى على جيل يحمل شعلة مصريته.