الرياض وباريس تدعوان إلى الإسراع في تنفيذ "إعلان نيويورك" كخطوة واقعية تنهي دائرة العنف في فلسطين

في ختام أعمال المؤتمر الدولي رفيع المستوى حول التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين، دعت المملكة العربية السعودية والجمهورية الفرنسية، في بيان مشترك، إلى ضرورة الإسراع في تنفيذ إعلان نيويورك، باعتباره رؤية عملية قابلة للتطبيق، تمهّد لوضع حد دائم لدائرة العنف والصراع المتكرر، وتفتح الطريق أمام تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية.

البيان الذي صدر صباح الثلاثاء من الرياض، شدد على ضرورة ضمان ما سماه بـ"اليوم التالي" للفلسطينيين والإسرائيليين، في سياق مرحلة انتقالية نحو سلام مستدام. وأكد التزام البلدين بدعم نشر بعثة دولية مؤقتة لتحقيق الاستقرار، بناءً على طلب رسمي من السلطة الفلسطينية وتفويض من مجلس الأمن الدولي، انسجامًا مع ما تضمنه إعلان نيويورك.

وقد أفضى المؤتمر الدولي إلى اعتماد إعلان نيويورك، الذي نال دعمًا استثنائيًا من الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 142 دولة. ويكرّس هذا الإعلان الطموح مبدأ حل الدولتين كخيار لا رجعة فيه، ويؤسس لمسار واضح نحو بناء مستقبل أكثر استقرارًا للفلسطينيين والإسرائيليين وشعوب المنطقة بأسرها.

وفي ظل التصعيد الميداني في قطاع غزة، وما يشهده من كارثة إنسانية متفاقمة نتيجة الهجمات البرية الإسرائيلية، أكد البيان أن إعلان نيويورك يقدم بديلًا مبدئيًا وواقعيًا لمسلسل العنف والحروب المتكررة، داعيًا المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لترجمة مضامين الإعلان إلى خطوات ملموسة.

وفي إطار الترتيبات الأمنية المقترحة، شدد البيان على أهمية تعزيز قدرات الشرطة والأجهزة الأمنية الفلسطينية من خلال التدريب والتجهيز، عبر برامج قائمة مثل بعثة منسق الأمن الأميركي (USSC)، وبعثة الشرطة الأوروبية (EUPOL COPPS)، وبعثة الاتحاد الأوروبي لمعبر رفح (EUBAM Rafah).

كما أكد البيان أهمية توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة تحت مظلة السلطة الفلسطينية، مرحبًا بسياسة "دولة واحدة، حكومة واحدة، قانون واحد، وسلاح واحد"، التي أعلنتها القيادة الفلسطينية، متعهدًا بمواصلة دعم تنفيذ هذا التوجه، واعتباره أساسًا ضروريًا لإنهاء الانقسام الداخلي وتكريس وحدة القرار الفلسطيني.

وفي هذا السياق، جدّد البيان التأكيد على ضرورة إنهاء سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، ونزع سلاحها، وتسليم هذا السلاح إلى السلطة الفلسطينية، ضمن عملية مدعومة دوليًا، تفتح المجال لإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.

كما عبّرت الرياض وباريس، باعتبارهما رئيستي المؤتمر، عن تقديرهما لحضور الدول المشاركة، ووصفتا انعقاد المؤتمر بأنه لحظة تاريخية حاسمة في مسار تحقيق السلام والأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. ودعا البيان المجتمع الدولي إلى الانتقال من الأقوال إلى الأفعال، عبر دعم فوري وصريح لتنفيذ إعلان نيويورك وخريطة طريق حل الدولتين.

وفي هذا الإطار، رحّب البيان بما وصفه بـ"طوفان الاعترافات" بدولة فلسطين، التي شملت حتى الآن دولًا مثل أستراليا وبلجيكا وكندا ولوكسمبورغ ومالطا والبرتغال والمملكة المتحدة والدنمارك وأندورا وموناكو وسان مارينو، إلى جانب فرنسا. كما دعا الدول التي لم تعترف بعد إلى الانضمام إلى هذا المسار التصحيحي.

وأكّد أن الاعتراف المتزايد بدولة فلسطين يُجسد إرادة المجتمع الدولي في إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ديمقراطية، وقابلة للحياة اقتصاديًا، تعيش بسلام وأمن إلى جانب إسرائيل. وفي هذا السياق، ثمّن البيان ما وصفه بـ"التعهدات التاريخية" التي أعلنها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خصوصًا التزامه بالتسوية السلمية، ورفضه الصريح للعنف والإرهاب، وتصريحه بأن الدولة الفلسطينية لن تكون دولة مسلحة، إلى جانب استعداده لترتيبات أمنية تخدم كافة الأطراف وتحترم السيادة الفلسطينية.

وأكد البيان أن إنهاء الحرب في غزة، وضمان الإفراج عن كافة الرهائن، يظلان أولوية قصوى، داعيًا إلى وقف دائم لإطلاق النار، وتبادل الأسرى، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى كل مناطق القطاع من دون عوائق، مع انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية.

كما شدد البيان على ضرورة وضع حد فوري للممارسات الإسرائيلية التي تهدد إمكانية تطبيق حل الدولتين، وعلى رأسها الاستيطان، مصادرة الأراضي، والعنف المتزايد من قبل المستوطنين. ودعا البيان إسرائيل إلى اغتنام هذه الفرصة التاريخية، والالتزام العلني بحل الدولتين، ووقف جميع المشاريع التي تهدف إلى ضم الأراضي الفلسطينية، وعلى وجه التحديد مشروع E1 الذي اعتبره المجتمع الدولي "خطًا أحمر" يهدد الاتفاقيات القائمة والمستقبلية.

وأشاد البيان بالإصلاحات التي بدأتها السلطة الفلسطينية، لا سيما إلغاء نظام دفع مخصصات الأسرى، وإصلاح المناهج التعليمية بإشراف الاتحاد الأوروبي وبدعم سعودي، والتزامها بإجراء انتخابات عامة ورئاسية خلال عام بعد وقف إطلاق النار.

وفي خطوة لدعم الاستقرار المالي للسلطة الفلسطينية، رحّب البيان بإطلاق التحالف الطارئ لدعم فلسطين، بهدف توفير تمويل عاجل لموازنة السلطة، داعيًا الدول والمنظمات الدولية إلى الانضمام لهذا الجهد، مع التأكيد على مطالبة إسرائيل بالإفراج الفوري عن أموال المقاصة المحتجزة، وإعادة النظر في بروتوكول باريس الاقتصادي، تمهيدًا لوضع إطار مالي جديد أكثر عدالة.

وختامًا، أكدت الرياض وباريس أن إنهاء الاحتلال وتحقيق سلام دائم وعادل، استنادًا إلى قرارات الأمم المتحدة، هو السبيل الوحيد لتحقيق اندماج إقليمي حقيقي، مشددتين على أهمية إنشاء منظومة أمنية إقليمية مستدامة، تستفيد من تجارب دول مثل "آسيان" ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وتمهد لبناء شرق أوسط أكثر استقرارًا، وأكثر قدرة على تحقيق السلام الشامل، بما في ذلك المساران السوري–الإسرائيلي واللبناني–الإسرائيلي.

ودعا البيان المشترك جميع الدول إلى الانضمام إلى هذا الزخم الدولي الجديد، بما يضمن تحقيق سلام شامل ومستدام لجميع شعوب الشرق الأوسط، ويكرس مبدأ الاعتراف المتبادل والاندماج الإقليمي الكامل.

قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :

الأمم المتحدة تدين الغارة الإسرائيلية على الدوحة وتصفها بانتهاك صادم للقانون الدولي

بين الاعتراف الرمزي والمقعد الكامل الطريق الطويل لفلسطين نحو عضوية الأمم المتحدة